قدرية الجفري
يرتبط الصراع الأوروبي ـ العربي ـ الصهيوني إلى حد كبير بتاريخ الصراع في المنطقة منذ أجيال عديدة يوم بدأت أول محاولة غربية للعودة إلى الوطن العربي عبر الحروب الصليبية بعد انحسار النفوذ الغربي إثر انتصار العرب الساحق على الروم وتحرير بعض أجزاء الوطن من وجودهم.
كما تتالت المحاولات خلال الحكم العثماني وغزوة نابليون بونابرت كانت إحداها، فقد ازدادت أهمية المنطقة بالنسبة لأوروبا إثر توسع الاستعمار الغربي إلى بلدان آسيا التي دفعت ثمن احتلال بعض الدول الغربية.
وما أحداث لبنان عامي 1840ـ1860م إلا أحد مظاهر محاولة الدول الغربية الأوروبية إقامة جسور لها في المنطقة تمهيداً لاقتسامها في وقت كانت الدولة العثمانية تعاني من الأزمات والتفكك والاضطراب كما كانت بريطانيا تحاول ترسيخ نفوذها في مصر واليمن الجنوبي وفرنسا تحاول الاستيلاء على دول المغرب العربي آنذاك.
ثم جاءت الحرب العالمية الأولى على أنقاض الامبراطورية العثمانية وانتصار الحلفاء واحتلال بعض مناطق الوطن العربي واقتسامها بين بريطانيا وفرنسا، كما رافق ذلك وعد بلفور بإقامة كيان صهيوني في فلسطين يكون حارساً للمصالح الغربية في المنطقة ولطرق المواصلات بين الشرق والغرب.
وهكذا فإن نشوء الصراع العربي ـ الاسرائيلي، يرتبط بنشوء الصراع بين الأمة العربية والقوى الاستعمارية الطامعة بأرضها وثرواتها وبمستقبلها ولم يكن من قبيل المصادفة أن يقف الجنرال جورو على قبر صلاح الدين الأيوبي ويقول له: “ها قد عدنا يا صلاح الدين”!!.
وليس من الغريب أن تقف الدول الغربية إلى جانب اسرائيل منذ نشوئها وأن تغطي على كل جرائمها رغم ما تعلنه تلك الدول من مبادئ تتعلق بالحرية وحقوق الإنسان.
إلا أن تطور الأوضاع الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم الغربي والاتحاد السوفيتي آنذاك في الطرف الآخر، قد غير طبيعة الدور الأوروبي بالنسبة لمجمل الأوضاع العالمية، حيث بات هذا الدور مرتبطاً بالاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.. والتي تأخذ باعتبارها الأساسي أمن العالم الرأسمالي بما في ذلك الدول الأوروبية واليابان.
وبالتالي فإن الدور السياسي لأوروبا لم يعد مرتبطاً بقرار المجموعة الأوروبية، بل بالقرار الأمريكي، نظراً لانتقال الدور القيادي من عواصم أوروبا الغربية إلى واشنطن.
إلا أن هذا الارتباط والذي تجسد في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم يجعل الدول الأوروبية تابعاً مطلقاً، بل بقيت هناك هوامش تتسع حتى تصل لدرجة التحرر من النفوذ الأمريكي، كما في حالة الجنرال ديغول، الذي جمد عضوية فرنسا في الحلف الأطلسي وتوجه إلى بناء القوة الذاتية الفرنسية ليضمن استقلال القرار الفرنسي ثم كانت هذه الهوامش تضيق حتى تصل إلى عجز الدول الأوروبية عن حماية مصالحها الاقتصادية.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا