ادخلوها بسلام !
عبدالرحمن العسلي
لا أكاد أصدق !، صار بوسعنا أن نكتب في صحيفة الثورة بعد أن احتلها الكهول لعقود من الزمن حيث ظلت محرمة علينا، نحن الشباب ؛ فشيوخ القلم لا يملون على الإطلاق !
حين قدم الشعث الغبر المنسلون من الجبل، كانت الثورة الصحيفة دارا للمسنين والعجزة، كتابات ملت نفسها، والخطبة هي الخطبة، حتى غدت أشبه بمواقف سيارات ثابتة في شركة إقطاعية لمالكين برجوازيين “لا يبغون عنها حولا ” !
قلت ذات مرة : حين توصد وسائل التعبير العامة عن المجتمع يلجأون للجدران وزجاجات الباصات ووسائل النقل والعملات . ومما قد لا يخفى على أحد أن حالة “القمع” هذه هي عامل أساس في تشكيل النفسيات التي تنساق للعنف، والأحادية .
يتحدث استيف جوبز عن الفكرة العبقرية للموت، كيف إنه يعمل على تجديدٍ تشترطه ديمومة الحياة وزخرفها، لكن وللأسف فكهولنا لا يتصوفون، لا تأخذهم السِّنة، ولا يتخيلون أن لهم عمرا افتراضيا كمخلوقات الله جميعها، ونتيجة لذلك ؛ يُقتل الإبداع، تذبل الزهور اليانعة، تترهل الأجساد المتمترسة في نوافذ الضوء، ولا شيء غير الظلام !
مسيرة صحيفة الثورة لهي محط تقدير وإنصاف، لكن الحديث هنا هو حديث إجمال أخذتنا الأنانية لحظة كتابتنا لهذا الهذيان فحكمنا دفعة واحدة كردة فعل طبيعية نتيجة عزلنا غير المبرر لسنوات كان على الأقل من حق الشباب أن يعطوا الفرصة لرسم لوحة الوطن الكبيرة من خلال صفحات الثورة .
وعلى نحو جاد، تحتاج صحيفة الثورة، بتقديري، إلى اقتناص هذه الفرصة التي فرضها الطوفان لتخلق حوارا مسؤولاً بين جيلين ما أكثر ما أنتج تباينهما من عواصف، وأن تحييَ أمواتها بضجيج الأحياء، وأن تزيد من توهج مشتعليها بالمزيد من الوقود الأكثر حيوية وطاقة .
ولعلي هنا أشير، إلى من يهمه الأمر، التوغل الحقيقي الفاعل في كتاب الحكيم توفيق الحكيم “ثورة الشباب”، ففيه خطة عمل شاملة هندسها فيلسوف يعرف ما الذي يمكن للشباب أن يصنعوه إذا ما اتصف صناع القرار بالحكمة والرشد في ما يتعلق ببناء المجتمعات والمؤسسات .
إن الزمن الذي نعيشه مختلف بماهيته ومفاهيمه، له فلسفة خاصة تبتني عليها معادلات صياغة الحياة وبنيوية عناصرها، ويستوجب هذا، بلا شك، إدراكا متعدد الأبعاد لأجل تحويل الروابط والعلاقات إلى إنتاج وانسجام يمنع نقيضهما : الدمار والتآكل الذاتي .