مقياس الوطنية والخيانة !
عبدالعزيز البغدادي
من المؤكد أنه ليس من حق أي مواطن فرداً كان أو جماعة توزيع صكوك الوطنية انطلاقا من أن الحق في المساواة بين المواطنين هو أساس من أسس الحق في المواطنة إلا أنه لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن مفهوم المساواة في أثره على بنية العلاقة بين القانون والسياسة ليس كمفهوم العدالة !،
فهو مفهوم كثيراً ما يلتبس لدى من يراه مرادف لمفهوم العدالة ؛
ولهذا لابد من محاولة فهم كل من العدالة والمساواة والتمييز بينهما بقدر من الدقة لإزالة هذا الالتباس ؛
فالمساواة : تعني النص على الحقوق الواجب من حيث المبدأ تمتع الجميع بها وبصورة مجردة طبق أي قاعدة قانونية مثال ذلك : ما يجب أن يتمتع به كل المواطنين من الفرص المتساوية للحصول على وظيفة عامة في أي جهاز من أجهزة الدولة ولكن لا بد أن يكون هؤلاء المواطنين على مستوى واحد من التعليم والمؤهلات الأخرى التي يشترطها القانون المنظم للحصول على تلك الوظيفة وهذا يجعل العلاقة بين المساواة والعدالة علاقة عضوية أو علاقة تلازم كما نلاحظ ،
والعدالة : تتعلق بعملية التطبيق للحقوق والواجبات المنصوص عليها قانوناً ويمكن الاستفادة من نفس المثال السابق في جانب الشروط التي توجب القاعدة القانونية توفرها في طالب التوظيف إذ يبرز هنا التلازم الذي ذكرنابين المساواة والعدالة بحيث لو أختلت هذه الشروط بما يمس المعايير المطلوب توافرها في المتقدم أختلت العدالة وهو ما يعني في الغالب أن التعيين قد تم مقابل رشوة أو لتعيين الأقارب والمحسوبين وكلا الحالتين تدخل ضمن تعريف الفساد !:،
والعدالة المقصودة هنا هي بالطبع العدالة الدنيوية أو عدالة الدولة المدنية التي لا تزايد باسم الدين ولا تعاديه وهذه العدالة تقتضي تطبيق معايير شكلية واجراءات تنص عليها القوانين والأنظمة لأن المؤتمن على أي مرفق عام ملزم بالحرص على تطبيقها تحقيقاً لمبدأ سيادة القانون ويتحمل المسؤولية المدنية والجنائية في حال إخلاله بهذا الالتزام وتوصف العدالة الدنيوية بالعدالة النسبية نظراً كون المسؤول عن تطبيقها لا يمتلك القدرة ولا السلطة المطلقة لأن عمله خاضع للتقييم وللمساءلة في حال المخالفة ،
أما العدالة الدينية فتقاس بمقاييس إلهية والله متوليها وهو وحده الذي ي?سأل ولا يُسأل ،
إذاً من خلال هذه المعادلة يمكن الوصول إلى معيار عام للخيانة الوطنية هو معيار قياس أفعال الشخص بمقياس ما أداه أو يؤديه من أعمال الوظيفة العامة التي تهدف لتحقيق مصلحة عامة وإساءة استخدامها تؤدي إلى الإضرار بهذه المصلحة ، لذلك كانت الوظيفة العامة أمانة ذات طبيعة عامة والإخلال بها خيانة وطنية تطال آثارها المجتمع بأكمله ؛
والمتأمل في حال الوظيفة العامة في بلادنا يلحظ أن الفرص التي أتيحت لتولي ذوي الكفاءات والنزاهة أي موقع فيها خلال العقود الماضية شبه إن لم تكن منعدمة نظراً لسيطرة الفاسدين ذوي النفوذ على مفاصل الدولة حيث كانت عملية إقصائهم عملية ممنهجة وصارت مراكز ووظائف الدولة وخاصة العليا تدور في دائرة ضيقة وفي نطاق المحسوبين والمقربين من النافذين الفاسدين !!،
وهكذا غابت المساواة والعدالة معاً أو غُيبتا عن حياة اليمن واليمنيين و كل من ساهم في تغييبهما لا شك أنه خائن لوطنه انطلاقا من كون المسؤولية العامة أمانة عامة !!،
هذا مقياس للوطنية والخيانة كما أعتقد ،
وطرحي لهذا الموضوع لا يأتي بغرض التعريض أو التحريض ضد أي شخص بذاته حي أو ميت أو ميت حي أو حي ميت وإنما لأن القياس وسيلة من وسائل الأحكام ومن فوائد الأحكام القياسية إدراك الإنسان أن ما يترتب على وصف أو الحكم بالخيانة ليس مجرد شتيمة لأن الشتيمة وحدها ما هي إلا سلاح العاجزين !،
وإنما يترتب على الحكم بالخيانة الوطنية تحديد وجهها وإزالة أسبابها ومعاقبة مرتكبها بما يجنب الوطن ما تؤدي إليه مستقبلاً من آثار سلبية عامة ومحاسبة من يقترفها محاسبة إدارية أو محاكمة قضائية أو حتى محاسبة الذات ويترتب على عملية المحاسبة تلك مصلحة وطنية تفيد في عملية بناء الوطن أو تصحيح مسار الحياة العامة ،
وأعتقد أن نطاق المصلحة الوطنية من خلال هذه النظرة تتسع لتشمل مستقبل كل الأجيال القادمة بمن فيهم أبناء الفاسدين والظلمة !!!،
وإذا كان هذا مقياس للخيانة الوطنية في الظروف العادية فإنه في هذه الظروف التي تعيشها اليمن يبرز السؤال التالي : كيف بمن يستغل الوظيفة العامة للقيام باستدعاء أو مباركة أوقح عدوان من قبل أقبح دولة جارة معروفة بتدخلها المستمر في شؤون اليمن ودعم الإرهابيين والفاسدين لإعاقة نموه سواء دعماً مباشراً أو حضر مؤتمر شرم الشيخ المخصص لتأييد هذا العدوان الصهيوني الأمريكي السعودي الذي كشف الهوية الحقيقية للسعودية وللكيان المسمى جامعة الدول العربية أومن حضر مؤتمر العملاء الذي أسمي مؤتمر أو اجتماع (الرياض )أو باشر العمل السياسي من الدولة التي شن العدوان باسمها ومن أراضيها أو من أي دولة مساندة أو مؤيدة للعدوان أو أدّى يمين وظيفة البدء بمباشرة وظيفة سفير أو أي وظيفة من دولة العدوان أو التواصل مع هذه الدولة في الوقت الذي يواصل فيه العدوان على وطنه ليل نهار ، إذا كانت خيانة الوظيفة العامة في الظروف العادية تعد خيانة وطنية فماذا نسمي من يقوم بمثل هذه الأعمال في ظروف هذا العدوان الأبشع عبر التأريخ ؟!!!!!..