ن ….والقلم يا مسافر على البلاد …

كنت ليلا أحدث صاحبي على البعد , وعيني على ابنة عمي تحزم أمتعتها استعدادا للسفر إلى البلاد , وأنا اتحول إلى كائن حزين كلما رأيت أحدهم يستعد للذهاب إلى قريتي ,أما إذا رأيت سيارة عليها عفش مسافرين فأحس بحزن يجتاح كياني حين أجد نفسي لن أذهب إليها , عهدا قطعته لها على نفسي يوم أن تركتها ذات يوم بعيد حين تركتها إلى تعز الحزينة مثلي  . قلت لصاحبي في الليل البهيم على ضوء شمعة وبقايا قمر رأيته شاحبا حين صعدت إلى السقف , كان هناك يتربع راس الجبل مغادرا نحو البحر , سقطت دمعة من عيني هي الاخرى اتجهت نحو البحر مساءك سعيد , قال صاحبي : كيف يمكن للمساء أن يكون سعيدا في هذه الظروف ¿ قلت: مساءك أنت بعيد عنا , قال : هو نفس المساء حزن وغربه , قلت: يا صاحبي التحية ربما بما اختزنته الذاكرة عن المساءات , أما كما نحن الآن فقد أصبحت مساءاتنا نافذة وعينين تتجهان إلى السماء تنتظران ما ستجود به !!! , هكذا كل ليلة , حتى ليخيل اليك حين تخرج ظهرا إلى الشارع كما لو أن الناس في الشارع لم تعد رؤوسهم في الاتجاه الذي خلقوا به , فقد تحولت الأعين متجهة طوال اليوم إلى الاعلى , ليس فخرا وأرفع رأسك يا أخي فقد ولى زمن الاستعمار , بل انتظارا !!! . ذات لحظة فوجئت وأنا اعتلي ظهر جبل حراز أن الغمام تغطي الطريق , كان الشوق للشواطئ يحثني على ألا أتوقف , فطلبت من ابني الأكبر أن يخرج رأسه المطلة على الهاوية ويقودني إلى القمة , وبعد أن تركناها استكبنا نحو الأسفل , حتى باب الناقة حيث يخيل إلي دائما حين أنزل نزلتها المؤدية إلى قلب تهامة, كما لوأني ارتمي إلى حضن الماء , لحظتها أدرت ابو بكر والمحضار , ليغنيان وتهامة والليل والنجوم وانا (( يا مسافر )) كانت الأغنية  ملهمة من السماء لنعب جمال اللحظة من اللحظة, حتى إذا دنونا من ذاتنا كانت تهامة تنفض عن نفسها عنت النهار , وبلادة من لا يفهم لغة السهل والبحر !! . يعود صاحبي ليلا يسألني عن الصحة أما الحال فمعلوم , أقول له على ضوء بقايا الليل : الصحة جيدة بدون حال , فقد تعود اللسان على التمني , تواصل ابنة عمي نحر خيالي من الوريد إلى الوريد , ليتني أستطيع ترك هذه المدينة والسفر إلى حيث أنا ,أكتشف أنني لا أستطيع أيضا فقد عاهدتها ألا اتركها كمحبوبة ومعشوقة. أين أنا ¿ هنا يكون السؤال ¿ سأقول لكم: أنا هناك في قريتي , هناك في تعز , هنا في صنعاء , فإذا اردتوني فتوزعوا علي !! . يعود صاحبي يعاتبني , هكذا فهمته: ليلنا كليلكم حزن وعجز , قلت : على الأقل ليلك بالكهرباء ,- كان حزينا بصدق – , أما ليلنا فقد غادره الضوء , مساءاتنا مبللة بالقرف , صارت حياتنا مجرد أمنية  ألا تنتهي بطارية التليفون !! , أما الرازحي فلم تعد (( صباح الخير)) في قاموسه  بل يردد ليل نهار (( مساكم الله بالخير )) !! . يا مسافر على البلاد بقلبي وروحي , أنا في أعماقي مسافر إلى عيد ليس له عنوان …ويا رحمه اعتذري لي من قريتي فلم أستطع.

قد يعجبك ايضا