تحديات ما بعد العدوان

عبدالله الدهمشي
albadeel.c@gmail.com
يتجه العدوان السعودي على اليمن نحو نهايته الحتمية سواء طال زمن تحقيق هذه النهاية أم قصر, لكن الوصول إلى وقت النهاية المحتوم مشروط بأحد أمرين: انتصار أحد الأطراف نصرا حاسما في الميدان القتالي, أو قبول أطراف الصراع بتسوية سياسية ممكنة ومتاحة, وأيا كان عليه أمر العدوان, فإنه منذ انطلاقته كقرار وعمل عسكري يطرح تحديات ما بعده من نتائج وأوضاع.
تكمن أهم وأكبر وأخطر تحديات ما بعد العدوان السعودي في كونه انطلق من مقدمات خاطئة في حساباتها لمقاصد العدوان وأهدافه, وتقرير بعيد عن المفاضلة بين البدائل والخيارات المتاحة للتعامل مع الأزمة اليمنية بما تقتضيه معطياتها في الواقع السياسي وتعقيداته المتجسدة بالظهور العسكري لجماعة أنصار الله, ولذلك أخذ العدوان وقتا طويلا وغير مبرر ميدانيا وعملياتيا, إلا بغياب الإطار السياسي الناظم لحركته على الأرض والمحدد بوضوح لمساراته العسكرية, والسياسية.
لهذا كانت مداخل العدوان مفتوحة فقط لهول مآسي الشعب اليمني, وويلات معاناته المستمرة دون أفق ظاهر أو خفي للخلاص, أو حتى لمقاربة هذا الخلاص بوهم أو ظنون فالخطاب السياسي المتبادل بين تحالف الحوثي في صنعاء وتحالف هادي في الرياض, يحمل من المكائد شطحات لا توحي بأن الطرفين يدركان الطبيعة السياسية للصراع أو ينطلقان منها في سياق الاعتراف المتبادل بالحق السياسي لكليهما في السلطة والصراع عليها بوسائل آمنة وعادلة.
وعليه نفهم لماذا خلت شهور العدوان الخمسة من أية مبادرة مقترحة لعناوين الحل السلمي والتسوية السياسية وظل الحديث عن الحل السلمي ومتاحات الحوار حوله منغلقا على القرار الأممي 2216, وبعيدا عن مقاربة متغيرات الواقع السياسي بفعل العدوان وما رافقه من حالات الاقتتال الأهلي على أكثر من جبهة, وخاصة غياب  السلطة القادرة على الزام تحالف الحوثي, بتنفيذ ما نص عليه القرار 2216, وهو ما يعني البدء سلما أو حربا من أولويات إعادة تشكيل السلطة المقبولة من جميع الأطراف لإدارة مرحلة ما بعد العدوان.
تأتي بعد هذا التحديات ذات الصلة بالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية, وإعادة الإعمار, وإعادة بناء الدولة اليمنية, ومكوناتها السياسية والمجتمعية, وغيرها من التحديات التي مع تشعبها  وتعدد مجالاتها, تبقى مؤطرة تحت عنوان عريض: المجال السياسي, وما يتطلبه من علم وفكر ومن قيم ونظام ومن بنى ووظائف, فالأزمة الوطنية قبل العدوان ومعه وبعد العدوان, أزمة سياسية مركبة من الصراع المدمر على السلطة بين قوى الداخل, وارتباطاته الخارجية.
غير أن أعقد التحديات وأكثرها إثارة للتأزم السياسي والاضطراب الداخلي, تكمن في السياسة السعودية عموما وفي هذا السياسة واتجاهاتها نحو اليمن تحديدا, ولا يعني هذا أن علاقات البلدين ستكون محكومة بالعداوة التي حركها العدوان دون مجال للإصلاح والصلح, فالعدوان محكوم بمثله من الصراعات والحروب بين الدول, لكن التعقيد يكمن في الوصاية السعودية على السياسة اليمنية, وما أصاب هذه الوصاية من تصدع حمل معه اليها عامل التنافس وعنصر التجاذبات الاقليمية والدولية.
غير أن الحديث عما بعد العدوان السعودي الراهن على اليمن ينطلق من أهمية التأطير السياسي لهذا العدوان, تأطيرا يشمل أطرافه اليمنية أولا, ثم يتجه منها وبها نحو الأطراف الخارجية, ذلك أن الداخل وحده يحدد طبيعة الامتدادات المتاحة لحركته الصراعية نحو الخارج, وحين ننطلق من أهمية تأطير السياسة اليمنية على مبادئ ونظام يعيد تنظيم الصراع على السلطة على أسس سلمية وآليات عادلة بعيدا عن فوضى ودمار القوة, فذلك لإدراكنا أهمية ماينبني على الداخل من قضايا وصراعات.
ولعل خير ما نختتم به الحديث عن تحديات ما بعد العدوان السعودي الراهن على اليمن, هو الوعي التاريخي بالأسباب والمقدمات التي قادت الوطن إلى جحيم هذا العدوان, وذلك عبر قراءة علمية وموضوعية مجردة من الهوى والتحيز, وبعيدة عن الوهم والظنون, ذلك أن الاعتماد التام على نظرية المؤامرة, يعمي البصيرة الوطنية عن رؤية الحقائق واستخلاص النتائج, ويبرئ صاحبه من مسؤوليته عن اتقاء  العدوان وتجنبه أولا, وثانيا عن دفعه ومن ثم وقفه نهائيا.
كما قد يسهل على المعني بالقراءة والاستخلاص الركون على الهوى بتحميل طرف بعينه أسباب العدوان, واستدعائه عمدا أو جهلا, فالمسؤولية تتحملها كل القوى اليمنية التي عجزت أو فشلت في انقائه ودفعه, ومن ثم في انهائه ووقفه, لا فرق بين الذين طلبوه وأيدوه, وبين الذين رفضوه وواجهوه إلا الفرق في الادعاء اللفظي والموقع المكاني من عدوان كان الشعب ضحيته الوحيدة, والوطن هو الخاسر الوحيد في  وجوده ومصيره, بهذا العدوان.

قد يعجبك ايضا