من بوذا إلى براقش

أحمد يحيى الديلمي

عندما أقدمت حركة طالبان على تفجير تماثيل بوذا الضخمة في أفغانستان قام العالم ولم يقعد صدرت بيانات الإدانة والاستنكار والشجب من كل المنظمات والدول وكانت الحادثة المقدمة التي بررت قدوم قوات التحالف الأجنبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفغانستان.
من المفارقات العجيبة أن السعودية كانت أول من بادر إلى إصدار بيان الشجب والاستنكار وإدانة شديدة اللهجة مؤكدة أن ما جرى اعتداء سافرا على معالم التاريخ الإنساني إلى جانب كونه اعتداء على معتقدات وخصوصيات وثقافة الآخرين, أذكر أننا كنا يومها في العراق نشارك في ندوة وقد علق الأستاذ والصحفي الكبير صلاح الدين حافظ رحمه الله على نص البيان السعودي بقوله (هذا خداع ولعب سياسية مكشوفة) السعودية لا تحتاج إلى بيان هي من شجعت حركة طالبان ومدتها بالمال والسلاح والحركة بهذه الأعمال الهستيرية الشاذة تنفذ رغبات الفكر الوهابي المعادي للحضارة وكل ما هو إنساني عظيم الخوف أن يمتد المشهد الإجرامي إلى كل الدول الإسلامية.
رحم الله صلاح الدين حافظ هذه المواقف سببت له الكثير من المتاعب لكنه أصاب الهدف في زمن مبكر وعرف مصدر ثقافة التوحش والإبادة والفناء الذي توغل في الفكر الإسلامي وشوه معانيه السامية القائمة على التسامح وقبول الآخر المخالف.
تذكرت هذا الكلام على خلفية إصرار الاستهداف الممنهج من قبل العدوان السعودي للمواقع الأثرية وشواهد الحضارة الإنسانية والمعالم التاريخية في اليمن حيث وصل العدد إلى أكثر من 40 موقعا.
هذا الكلام لا يعني القبول بما حدث في أفغانستان فهي جريمة بشعة ومدانة بكل المقاييس إنما الهدف من الربط بين ما حدث لتماثيل بوذا ومدينة براقش للتدليل على مصدر الفكر الشاذ ومنبته بما هو عليه من تأصيل لثقافة الكراهية والانتقام من كل شيء جميل على وجه الأرض والكشف عن منبت انحدار جماعات التطرف الإرهابية.
ما جرى في نيجيريا وليبيا والعراق وسوريا وأخيرا اليمن كشف أن القاسم المشترك هو العداء المطلق لشواهد الحضارة الإنسانية في كل العصور.
كما حدث لشواهد الحضارة الإسلامية وعدد من أضرحة الصحابة رضي الله عنهم منهم ضريح الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي هدم قبره لأنه صحابي إلى جانب كونه يمني يجسد الدور الذي لعبه أبناء اليمن في نصرة الدين ونشر منهجه في إنحاء الأرض وهو ما يعكس الحقد الدفين لكل ما له صلة باليمن, في هذا السياق جاء استهداف شواهد التاريخ ومعالم الحضارة اليمنية القديمة ما يثير الدهشة والذهول تخاذل العالم وصمته المطبق على هذه الجرائم البشعة بما في ذلك المنظمات الدولية المعنية بحماية الآثار ومعالم الحضارة القديمة.
مع أنها جرائم إنسانية بشعة تدمر شواهد قبلة الحضارة الإنسانية الموغلة في القدم فإذا كانت تماثيل بوذا التي ندين ونستذكر ما تعرضت له تمثل طائفة محددة من البشر فإن مدينة براقش التاريخية تخص كل إنسان على وجه الأرض لعدة أسباب أهمها:
-1 براقش قبلة الحضارة الإنسانية باعتبارها عاصمة أول كيان اختط مفهوم الدولة وسن القوانين الحاكمة المنظمة لحياة البشر.
-2 إن دولة معين اختطت ثقافة الحياة بمعانيها الإنتاجية ونقلت الإنسان من الغابات والرعي إلى مرحلة الصناعة والتجارة وتنظيم قوافل التجارة البرية والبحرية بين دول الشرق والغرب.
-3 إن دولة معين وحدت القبائل اليمنية المتناحرة في دولة واحدة وأقامت أول نموذج للدولة المركزية ما لبث أن انتقل إلى وادي النيل والشام أرض الرافدين وهناك أعمال كثيرة لهذه الدولة دلت على دورها المميز في بناء الحضارة الإنسانية.
القيم الحضارية التي أرست معالمها هذه الدولة مثلت البعد الإنساني والتأثير الواسع على حياة الإنسان ومن ثم فإن تدمير عاصمتها بالصواريخ واستهداف أول معبد أقامه الإنسان على وجه الأرض كشف طبيعة العداء المطلق للتاريخ الإنساني بكل معانيه واتجاهات تأثيره وفي هذا أدلة واضحة على أن ثقافة الصحراء القاحلة تجعل من الصعب على آل سعود فهم المعاني السامية والقيمة الإنسانية العظيمة لهذه الشواهد لذلك يعتبرها هدفا لعدوانه لا فرق بينها وبين حضائر الأغنام ومزارع الدواجن التي استهدفها بعدوانه البربري السافر, هنا تكمن المعضلة كما يقول المثل (عدو عاقل خير من صديق أو جار جاهل) لأن الأخير إذا خاصم يبلغ حد الفجور ولا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم وهذا ما يحدث بالفعل.
الثقافة الصحراوية والفكر الوهابي المغرق في التخلف أصابا رجل القرار في نظام آل سعود بداء التبلد بفعل هذا الداء المقيت يعتبر الجرائم البشعة ومجازر الإبادة التي يرتكبها في حق الشعب اليمني الأرض والإنسان والحضارة مكرمات يتفضل بها على هذا الشعب الأبي الباسل, استنادا إلى هذا الاعتقاد المثير للاستهجان يرتكب مجازر بشعة يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان وينزل حمم الصواريخ التي تفتك بالبشر والحجر والشجر مما يجع

قد يعجبك ايضا