الأسوأ.. الأفظع.. الأبشع..!!
– خمسون يوما مضت على أول فاجعة لم أتوقعها عند الثانية والنصف ليلا حين أيقظتني أصوات الطائرات وضربها والمضادات ودفاعها دون أن أفهم ماذا يحصل بالضبط حتى وأحد أقاربي يهاتفني بعد أن استيقظت ويقول لي إنها الحرب ويطالبني بالنزول إلى بدروم منزلي !
– يا الله.. الحرب.. لماذا..وكيف.. وإلى متى.. وماذا سيحصل.. ومن سيموت..وماذا سيدمر.. ومن السبب.. وما الهدف.. وما الحل.. وأين العقول.. وكيف بالغد..وما بعد الغد.. وهل نحن (ناقصين حرب).. حرب مرة واحدة.. وعشر دول أيضا.. أغلب اليمنيين لا يجدون المأوى.. ولقمة العيش صعبة جدا.. والحال هم وغم وكد وتعب.. ولا أمن ولا أمان.. وفوق كل ذلك حرب.. ما هذا (الهزار) أو (الصفاط) الثقيل جدا !!
– تلك التساؤلات التي كانت تحاصرني.. تخنقني.. سرعان ما قفزت من على بوصلة الأفكار التي تصادر النوم وتعبث باللحظات والساعات والأيام بما تقدمه من توقعات لا تخطر على بال أسوأ المتشائمين.. وللأسف بل تجاوزت وحدث أن وقع الأسوأ والأفظع والأبشع !!
– طائرات تقصف بلا هوادة.. لا تكل ولا تمل.. والموت تحمله صواريخها لتوزعه بلا رحمة على الأشقياء في هذا الوطن.. سكان بيوت شعبية من البلك والصفيح في بني حوات.. عمال يعيشون في فقر مدقع ويسدوا بالكاد رمق جوعهم بما يتقاضونه من مرتب ضئيل جدا في مصنع الزبادي.. مزارعون يعيشون على ما تنتجه أراضيهم عادوا بعد يوم مضني إلى منازلهم ليستريحوا ويناموا فدفنوا مع أسرهم وأطفالهم تحت التراب.. سائقو قاطرات معظم أيام حياتهم على خطوط الإسفلت بين المحافظات تفحموا مع مصدرهم الوحيد للعيش لأنهم يحملون القمح..أطفال من المهمشين يقتاتون من مقالب القمامة أحرقوا ودفنوا أحياء.. منطقة كاملة أبيد فيها الشجر والحجر والبشر.. محافظة تحولت إلى وجع دائم وركام من الخراب والدماء والأشلاء.. شباب وصغار وكبار قتلوا عند أبواب منازلهم أو حارتهم.. بسطاء جدا ذبحوا في سوق قات.. مدينة تاريخية يسكنها البسطاء طالها الموت والخراب والدمار.. مدينة تذوق الموت عشرات المرات في اليوم الواحد صباحا ومساء وحتى الفجر.. أرواح أزهقت ودماء سفكت ومنازل دمرت وأسر يتمت..ووطن تحول إلى مساحة للحزن ومكان للألم لا مكان فيه لصوت العقل ولا للإحساس بالآخرين ولا لمعاناة (الضباحى) والمظلومين !!
– ماذا بعد كل هذا.. مازال في جعبة من أرادوا لنا الموت والدمار والخراب الكثير.. فمن لم يمت قصفا وقتلا يجب أن يموت حصارا وجوعا وعطشا.. ومنذ أكثر من الشهر وشعب اليمن بلا كهرباء.. بلا غاز.. بلا بترول.. بلا ديزل.. بلا غذاء.. بلا ماء.. وبلا فرامل..ومن عاش ما مضى من الأيام بما وفره من مخزون.. اليوم لم يعد بإمكانه أن يوفر شيئا.. ومع كل ذلك مازال يتفاءل بالغد الذي تأخر كثيرا ويبدو أنه لن يأتي!!
– ما يقصف العمر دون الحاجة لطائرات الأف16 هو أن يحصل كل ما ذكرته لشعب كامل وملايين من البشر كبارا وصغارا والعالم يتفرج.. ومجلس الأمن يبحث عن المزيد من الدماء.. والأمم المتحدة تصرخ في واد غير ذي أمل.. ويأتي من يتحدث عن الإنسانية والإغاثة وهو يحاصرك برا وبحرا وجوا لتشبع موت.. وعندما تحاول أن تصرخ إني أموت.. أموت.. أموت.. يظهر في الرياض واحد من أبناء جلدتك ليقول أشكر قيادة التحالف ونطالب بالمزيد من الضربات وهو يعرف ومتأكد أن الأبرياء والضباحى والبسطاء هم الضحايا.. عليكم جميعا دعواتي.. ودعوات المظلومين والمتضررين والمسحوقين والمدفونين تحت أنقاض منازلهم ووجع أمسهم وحاضرهم ومستقبلهم !!