السعودية وحدود القوة
الأيام الفاصلة عن قمة «كامب ديفيد» التي ستجمع الرئيس الأميركي باراك أوباما بقادة دول الخليج منتصف الشهر الجاري تتسم بدينامية سعودية لافتة: قمة تشاورية خليجية ورئيس فرنسي يحل ضيفا عليها في سابقة هي الأولى من نوعها منذ أن كانت قمم الخليج وتوسيع لمروحة التحالفات العسكرية التي ضم آخرها جنودا من السنغال «للدفاع عن مكة والمدينة» كما أفاد وزير خارجية البلد الأفريقي ودورات تدريبية لمقاتلين يمنيين بدأت تؤتي ثمارها بتخريج دفعات منهم مهيأة للقتال وعمليات إنزال في اليمن توطئة لمعركة برية تسمح بإحراز تقدم في مواجهة «أنصار الله» وقطاعات الجيش اليمني المتحالفة معهم.
في خلفية ذلك كله ثمة رغبة سعودية بالتأكيد لمن يعنيه الأمر في الإقليم وعلى المستوى الدولي أن المملكة دخلت طورا جديدا في تعاطيها مع ملفات المنطقة. الأكيد أن الرياض خرجت من دائرة التردد ودخلت مرحلة المبادرة. هذا أول ما تشي به حرب اليمن. لقد قرر التشكيل الجديد المتحكم بمفاصل الأمور في المملكة بعد وفاة الملك عبد الله إعادة تقييم السياسة الخارجية السعودية التي اتسمت بالانكفاء على مدى عقدين ونيف على أقل تقدير. والنتيجة جاءت لتعكس التغيير الحاصل داخل بنية النظام: الجيل الثالث دخل لأول مرة على خط ولاية العهد وعدد من صقور الإدارة الأمنية في المراحل السابقة (من «الجهاد» في أفغانستان حتى «الحرب على الإرهاب») تسلم مناصب حساسة فكان أن أقدمت المملكة على خطوات «جريئة» لتمسك بالمقود بعدما كانت طوال الفترات الماضية في المقعد الخلفي تمول حروبا أكثر مما تعد مسارها.
في قمة «كامب ديفيد» تطمح المملكة إلى استصدار مذكرة تفاهم مع واشنطن تسمح بوضع خطوط عريضة لسياسات احتواء طهران بعد التوقيع المزمع على الاتفاق النووي وإن كانت تمني النفس بإبرام معاهدات أكثر جدية وحزما في هذا الإطار. والرياض في حضرة الحليف الأميركي تتسلح بزاد تحاول استعراض نتائجه يوميا: قوتها الناعمة قوامها مال وفير يضم دولا إلى تحالفها العسكري ويغري أخرى بتقديم الدعم السياسي والديبلوماسي وقوتها الصلبة ـ الجوية تحديدا – زجت في أول اختبار جدي سمح لها بإعلان هيمنتها على سماء الإقليم بلا منازع.
لغاية اللحظة ما زال إيقاع المعارك مضبوطا على تخوم المملكة. ففي شمال سوريا تم توحيد «الجهاديين» بمعية أجهزة إقليمية تشاركت صنع «إنجازهم» الأخير. وفي العراق بدأت واشنطن تلوح بسحب البساط من تحت الحكومة المركزية عبر مشروع قرار الكونغرس الذي يسمح لها بإمداد جماعات عراقية بالسلاح من خارج إطار الدولة. وهذا من شأنه أن يشرعن التعاطي المباشر مع مكونات البلاد من الخارج وأن يفتح الباب أمام الرياض للدخول بشكل صريح على خط رعاية قوى اجتماعية وسياسية وعسكرية في العراق. أما في اليمن فقد أحكم تحالف المملكة الخناق على البلد وسكانه وجعل من خمسة وعشرين مليونا أسرى حلبة قتالهم من غير أضرار جانبية جدية عليها.
على أن الاندفاعة السعودية برغم عناصر قوتها وانضباط إيقاعها المذكور ذاتö حدود لا يمكن تجاوزها موضوعيا. فلا الوضع الإنساني في اليمن يحتمل تسويق حرب تخنق شعبا بأكمله لـ «وقف التدخل الإيراني» ولا السماح لـ «القاعدة» بالنمو في بعض مناطق جنوب البلاد يبقي المملكة في مأمن من شرها لزمن طويل. ولا بأس هنا من التعريج على الضربات الاستعراضية التي تستهدف تنظيم «داعش» منذ ثمانية أشهر من دون تحقيق نتائج جذرية في العراق وسوريا للقول إن اللعب بورقة التنظيم قد لا تبقى متاحة مع نمو خلاياه النائمة في بلاد الحرمين وهي التي كشف من أعضائها العشرات حتى الآن. كما يفيد القول إن التصعيد من خارج السياق في أي من مفاصل الإقليم من شأنه أن يؤدي إلى نتائج غير محسوبة من بينها مثلا اقتراب أسعار النفط العالمية من معدلاتها السابقة وهي التي جهدت الرياض لخفضها للضغط على طهران ومن خلفها موسكو قبلا.
ليس الحديث عن حدود قوة المملكة العربية السعودية من قبيل التهوين أو الدعاية. فهو يشبه الكلام المقابل عما يمكن لإيران أن تقوم به في محيطها وما تعجز عن تخطيه في المقابل. إذ إن طهران بدورها غير قادرة على حجز دور يعطيها مساحة القرار كاملة في المنطقة. فلا منطق اللاعبين الدوليين يشجع على الاستفراد في القرار ولا موازين القوى الإقليمية تسمح بذلك ولا حاجة حلفائها للتعايش مع جوارهم تعين عليه.
تقاسم النفوذ إذا تحصيل حاصل بمعزل عن المحصلة النهائية للمنازلات الجارية في غير بقعة جغرافية. والتقاسم هذا لا يعني طهران والرياض فحسب بل حلفاء كل منهما بالمعنى السياسي – التنظيمي (الأنظمة أو الأحزاب – بخلاف من يسقط منها أثناء الموا