ماذا بعد حرب اليمن:دراسة تداعيات خطأ استراتيجي
عندما تبدأ عملية عسكرية كـ «عاصفة الحزم» بكل ما فيها من حلفاء وقوة جوية وأهداف من جهة ومعارضة من جهة أخر? يمكن التنبؤ بتغييرات إستراتيجية قد تعدل من تعاطي اللاعبين المعنيين بناء عل? نتائجها. ومن النافل القول إنه عند وضع أي إستراتيجية بأهداف محددة يجب أن يكون للإستراتيجي تصور للخروج أو تغيير الإستراتيجية في مراحل التنفيذ كافة. فالإستراتيجية لا تعني الحركة من نقطة ما إل? نقطة أخر? من دون الوقوع في مشكلات وبتأكيد الوصول إل? النقطة الهدف بل إن الإستراتيجية الناجعة تحتوي عل? تصور للخروج إن تضاءلت احتمالات الوصول للغاية. الافتقاد لهكذا تصور للخروج غالبا ما ينتهي إل? الفشل الإستراتيجي الذي قد يأتي عل? الإستراتيجية وواضعها بكوارث.
اليمن بلد الأزمات. ومن المعروف أن الرئيس علي عبدالله صالح كان يبني عل? هذه الأزمات ويختلقها في بعض الأحيان لضمان استمرار حكمه. والأزمات الداخلية لليمن كانت في ذروتها عند ضرب موجات «الربيع العربي» نظام الرئيس صالح. خرج صالح من الحكم بمبادرة سعودية مرت عبر «مجلس التعاون الخليجي» وأنهت ثلاثة عقود من حكمه. وبرغم قبول بعض القو? السياسية بها فقد تحفظ بعضها الآخر عل? المبادرة باعتبارها محاولة لاحتواء الثورة اليمنية. وبالفعل فقد تقزمت الثورة اليمنية من ثورة شعبية إل? تغيير وجوه وأشخاص بغيرهم. وجر? ذلك عل? المستويات العليا. فالرئيس هادي مثلا كان نائبا لصالح. لم تكن الكثير من القو? السياسية اليمنية تساير ما جر? خاصة بعد التمديد للرئيس هادي. ودخل اليمن عل? إثر ذلك في خلافات تزايد معها النفوذ الحوثي في صنعاء واتسعت رقعة حضوره في الكثير من أجزاء اليمن.
من هنا بدأت تطورات اليمن تقلق المملكة العربية السعودية. فلطالما حاولت الرياض إبقاء أزمات اليمن في داخل «اليمن الضعيف». وبعيدا عن كل ما يقال حول محاولة الدفاع عن الشعب اليمني ومصالحه فإن اليمنيين ما زالوا يتناقلون ما أوص? به الملك عبدالعزيز أبناءه من أهمية إبقاء اليمن ضعيفا لا يقو? عل? تهديد السعودية. ومن هذا المنظور أصبح صعود قوة جماعة «أنصارالله» وحلفائهم في اليمن مدعاة قلق للسعودية. وأد? هذا القلق الإستراتيجي إل? تحرك سعودي لم يكن في حسابات الكثيرين في المنطقة. وكما هو الحال في الدول العربية أصبح الكلام حول حكمة التحرك السعودي أحد الركائز للإعلام الموالي للدول الداخلة في رهانات «عاصفة الحزم». فعند الوقوف عل? الحقائق يتبين للمرء الخطوط الفاصلة بين الإعلام والواقع عل? الأرض.
وبغض النظر عن هذه الفواصل وبعيدا عن الكلام المغلف بالآمال أظهرت أسابيع من ضرب اليمن وبنيته التحتية أن الآمال بالوصول للغاية المنظورة بالسهولة التي ارتأتها الرياض تبتعد تدريجيا عن الإستراتيجي السعودي. فلم يتراجع «أنصارالله» والجيش والقو? المتحالفة معهم عل? الأرض بل عل? العكس تماما فقد تقدموا في الكثير من المناطق إل? الجنوب والشرق. وبهذه الصورة غير الثابتة طبعا بدأ تغيير الأهداف للحرب على اليمن. فمن إجبار «أنصار الله» وحلفائهم لطرح ما كسبوا تغير الهدف إعلاميا إل? إجبارهم عل? العودة للحوار. ومن هذا المنطلق يبدو جليا أن الرياض تبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه. وستقبل السعودية وحلفاء عاصفة حزمها بالوساطة العمانية أو الجزائرية عن قريب. لكن الإستراتيجي الحقيقي يعلم أن الدخول في رهانات استراتيجية عسكرية أسهل بكثير من الخروج منها من دون تغييرات قد تأتي عل? مصالح الدول الداخلة فيها. من هذا المنظور يبدو أن تبعات الحرب على اليمن ستأتي بنتائج مهمة يمكن تلخيصها كالتالي:
أولا لن يؤدي الفشل في اليمن إل? عودة كبيرة للولايات المتحدة إل? المنطقة لسد فاتورة الأزمة المفتعلة في هذا البلد. فقد أصبح واضحا أن الولايات المتحدة تبحث عن الحد من حضورها عبر إدارة أزمات الشرق الأوسط إقليميا. وإن وضعنا هذا الواقع إل? جانب احتمالات فشل الحرب على اليمن في المديين القريب والمتوسط أو حت? وقف التهديد داخل الحدود اليمنية لا يبق? خيار آخر سو? رجوعها إل? لاعبين يبدون بتحركاتهم الإستراتيجية أكثر مسؤولية من السعودية. من هذا المنطلق يبدو أن السعودية زادت من ثقل إيران الإستراتيجي في العيون الغربية من دون أن تهدف لذلك.
ثانيا سوف يزيد الفشل السعودي في اليمن من القلق الإستراتيجي الغربي من أي تحرك سعودي في المستقبل. فالواضح أن تحرك السعودية في أفغانستان ودعمها لبعض المحاربين دون غيرهم أد? لظهور «القاعدة». وأد? دعمها للمناوئين لحكومة الأكثرية في العراق إل? ظهور «الدولة الإسلامية» في العراق. كما أد? دعمها للمتطرفين في سوريا إل? ظهور «داعش» وأخواته هناك. والواضح أن أحد أهم نتائج الحرب على اليمن كان عبارة عن ازدياد قوة وتمدد «القاعد