بين عاصفة الصحراء الامريكية وعاصفة الحزم السعودية
عبد الباري عطوان
* أن يرسل العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز 185 طائرة مقاتلة ليلة (الاربعاء) في اطار تحالف عربي اسلامي جديد لقصف تجمعات ومواقع للتحالف العسكري الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء وعدة مدن اخرى فهذا يعني تغييرا كبيرا في السياسة السعودية وانتقالا من مرحلة التأني وضبط النفس والنفس الطويل الى مرحلة تتسم بعدم التردد في اللجوء الى الخيار العسكري عندما يكون النظام السعودي ومصالحه الاستراتيجية والحيوية معرضة للخطر ولكن هذا الانتقال المفاجئ محفوف بالمخاطر علاوة على كونه غير مضمون النتائج.
لا يخامرنا ادنى شك في ان جميع المعطيات المتعلقة بموازين القوى العسكرية هي في صالح المملكة العربية السعودية التي تملك ترسانة تضم احدث الطائرات المقاتلة والقاذفة الامريكية الصنع من طراز “اف 15 واف 16 ودفاعات جوية علاوة على قوات ارضية يزيد تعدادها عن 150 الف جندي بينما يبدو العدو في المقابل ضعيفا بل بدائي التسليح فما انفقته السعودية في الاعوام الثلاثة الماضية فقط لشراء طائرات ودبابات امريكية والمانية واوروبية يزيد عن 150 مليار دولار أي ما يوازي ميزانية اليمن في اربعين عاما وربما أكثر.
التفوق العسكري ليس ضمانة للنصر في الحروب الحديثة كما ان الضربات الجوية مهما بلغت من القوة والضخامة ليست معيارا للحسم فها هي الولايات المتحدة تشن اكثر من 3500 غارة على مواقع “الدولة الاسلامية” في سورية والعراق ولم تنجح في هزيمتها ولا نذهب بعيدا وسنظل في المنطقة نفسها ونقول ان طائرات النظام السوري المدعومة بجيش قوي على الارض لم تنجح طوال السنوات الاربع الماضية في حسم الاوضاع في ميادين القتال لصالحها ومنع خسارة مدن وقرى واراض عديدة.
***
اليمن بيئة جغرافية وبشرية وعرة للغاية وصنعاء ربما تكون العاصمة الوحيدة التي لم تخضع لأي احتلال أجنبي أو عربي فقد تجنبها العثمانيون والبرتغاليون والبريطانيون بل ان الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية طلب من ابنه الملك فيصل العودة فورا عندما كان في طريقه لاحتلالها على رأس قوات سعودية استولت على اقليمي نجران وجيزان اليمنيين في جنوب المملكة وشمال اليمن في بداية تمدد الدولة السعودية.
اليمنيون مقاتلون اشداء سواء كانوا حوثيين او من اعدائهم واذا كانت المملكة العربية السعودية شكلت على عجل تحالفا من اكثر من عشر دول عربية واسلامية من بينها مصر والسودان والاردن وباكستان فان الطرف الآخر يملك تحالفا لا يقل خطورة يضم العراق وسورية وايران وروسيا ودول البريكس.
ولعل التحالف الداخلي بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح ربما يكون الاخطر من كل التحالفات الخارجية لما يملكه من قدرات واستمرارية جنبا الى جنب مع القدرات العسكرية والبشرية المقاتلة ويتزعمه داهية يمني اسمه علي عبد الله صالح اطول حاكم لليمن في تاريخه واقام جيشا على مواصفاته واستمر ولاء معظمه له بينما يتزعم الحلف اليمني المقابل رئيس ضعيف يفتقد الى الخبرة او الكاريزما.
عقيدة الجيوش القتالية تلعب دورا كبيرا في التعبئة وشحذ الهمم فالذي يقاتل على ارضه ويقف في خندق الدفاع عن كرامته الوطنية حافزه القتالي اكبر من الجندي المقاتل او الطيار القاصف من ارتفاعات شاهقة.
نشرح أكثر ونقول ان الهدف السعودي المعلن من الغارات الجوية هو دعم الرئيس الشرعي اليمني عبد ربه منصور هادي وحكمه ولكن من الذي يحدد من هو شرعي وغير شرعي ووفق أي معايير هل هي المعايير الانقلابية العسكرية¿ ام المعايير الديمقراطية الانتخابية الحرة النزيهة¿ فاذا كانت اعتبارات الامر الواقع هي التي تحدد الشرعية مثلما هو الحال في ليبيا واليمن وعراق قبل الغزو فإن رؤساء جميع هذه الدول يتمتعون بالشرعية مثلهم تماما مثل الانظمة الوراثية اما إذا كانت المعايير الديمقراطية هي الحاسمة فاننا لا نجادل مطلقا بانها تنطبق كليا على الرئيس اليمني هادي ولكنها لا تنطبق بصورة اكبر على الرئيس المصري محمد مرسي ايضا فلماذا لم يتشكل التحالف العسكري نفسه لاعادة الاخير الى السلطة¿
لا نريد الدخول في متاهة “الشرعية” ومعاييرها لاننا لن نقنع احدا لا يريد الاقتناع في هذا الزمن الذي غاب فيه المنطق ونجد لزاما علينا ان ننظر أكثر الى ما هو ابعد من الحاضر ونسأل عن صورة اليمن بعد عام أو عامين أو خمسة وكيف ستكون خريطة القوة على أرضه¿ وفي الاطار نفسه نسأل ايضا عن الكيفية التي سيكون عليها وضع المملكة العربية السعودية وحلفائها ومنطقة الجزيرة العربية وجوارها¿
بداية علينا ان نعترف ان السعودية اعلنت الحرب على ايران وليس على الحوثيين ونقلت الحرب من حرب بالانابة الى حرب مباشرة بهدف استعادة هيبتها الاقليمية التي تضعضعت بعد التحول الامريكي نحو ايران وصمود النظام السوري التي ارادت اسقاطه وتدهور الاوضاع في