التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول ومنطق المال والقوة
تعلن كل دولة انها لا تقبل بالتدخل الخارجي في شؤونها وهذا أمر طبيعي, لكن ما ليس طبيعيا أن تقوم هذه الدولة نفسها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى وتحشر نفسها في كل صغيرة وكبيرة دون حياء أو خجل كما ان هذه الدول تطلب من دول اخرى عدم التدخل في شئون بلد معين لكنك تجد هذه الدول غارقة من رأسها حتى أخمص قدميها في شؤون هذا البلد.
الأمم المتحدة تدعو في قراراتها وبياناتها إلى أنها لا تقبل المساس بسيادة الدول وفقا لميثاقها الذي يؤكد على احترام الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها وأنظمة الحكم فيها لكنها تعمل عكس ذلك فكم من دولة تم انتهاك سيادتها وتم التدخل في شؤونها بل وضربها عسكريا بقرارات أممية وتشريد أهلها وجعلهم يتنقلون من بلد إلى بلد يعانون الفقر والجوع والبرد الشديد دون ان تمتد الأيدي التي تسببت في مآسيهم لمساعدتهم واستضافتهم حتى تنتهي مشاكل بلدانهم التي أشك انها ستنتهي طالما وهذه الدول تتدخل في شؤونهم’ ومعاناة اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب في بلدهم أكبر دليل على ذلك فكل دول العالم متورطة في تأجيج الصراع في سوريا لكنها جميعها تتهرب من التزاماتها وواجباتها تجاه هؤلاء البشر الذين يعانون الأمرين جراء ما ارتكبته هذه الدول في بلدهم.
مما لا شك فيه ان كل الدول تتدخل في شؤون بعضها وان التعامل يجري وفقا لمنطق الضعيف والقوي والغني والفقير فمن كان قويا فله الحق في التدخل في شؤون الضعيف واستخدام قوته وقت ما يشاء دون رادع او حسيب او رقيب بل ان كل الدول تقف معه لأنه قوي ومن كان غنيا فله الحق في ان يتدخل في شؤون الفقراء فالثروة تخوله ذلك وسيجد من يسانده للاستفادة من المال الذي يتم ضخه هنا وهناك وبالتالي فقد اصبح العالم مستباحا بمنطق القوة والمال ولم تعد هناك دولة في العالم صغيرة او كبيرة إلا وتشكو من التدخلات الخارجية في شؤونها حتى امريكا وروسيا والصين تعاني منها.
ومن يتابع ما يجري حاليا في المنطقة العربية بالذات سيصاب بالذهول من التناقض الكبير بين مواقف الدول من التدخلات الخارجية, فدول الخليج غارقة في شؤون غيرها بشكل غير معقول او مقبول مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر ولبنان في نفس الوقت الذي تنادي فيه إيران وروسيا وغيرهما بعدم التدخل في شؤون هذه الدول نفسها وكأنها هي التي لها الحق في التدخل فقط دون غيرها لأنها تمتلك المال الذي يمكنها من استدعاء بعض الدول الكبرى مثل امريكا وبريطانيا وفرنسا لتساندها كما أن هذه الدول تدعو إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بينما نراها متغلغلة في مفاصل كل الدول بل وتخضعها لتوجيهاتها وإرادتها ومن يخرج عنها فإنها تكلف القاعدة وداعش واخوتهما ليقوموا بالمهمة التي أنشئت من أجلها هذه التنظيمات الإرهابية والمتمثلة في كسر عظم أي نظام لا يخضع لهم ويقف أمام تدخلاتهم وما حدث ويحدث في بلداننا العربية وبعض البلدان الأخرى يؤكد ذلك.. وهكذا فإن معايير التدخلات الخارجية في شؤون الدول الداخلية تتداخل وتتشابك وتسير وفقا لمنطق المال والقوة.