الحال الواقف

يكتبها/ علي بارجاء
الانتعاش الاقتصادي سمة من سمات المجتمعات المستقرة تجد حركة البيع والشراء في الأسواق منتعشة تجد التجار تبوس أياديها حمدا وشكرا لله كما ترى الابتسامات على شفاه المواطن تعبيرا عن رضاه لأنه يعيش حياة آمنة طالما أن لديه عملا يحصل منه على راتب شهري يكفيه ليوفر له ولأسرته ما يريد فالاستقرار السياسي يوفر الاستقرار الأمني والاستقرار الاقتصادي وهذا ينسحب على كل المجالات.
ماذا يريد المواطن غير أن يعيش مستقرا آمنا في حياته وفي قوته ليستطيع أن يعمل ويفكر ويبدع.
في الأعوام من 1961 حتى 1964 كان الأديب الشاعر حسين محمد البار ينشر بين حين وحين في صحيفته الأسبوعية  (الرائد) التي تصدر في المكلا آنذاك ثلاثة أبيات من الشعر الشعبي على غرار الشاعر الحكيم الفلاح أبي عامر الشهير الذي يحفظ الناس شعره عن ظهر قلب وفي هذه الأبيات كان ينتقد ما يراه من أوضاع سياسية واجتماعية في حضرموت.
الغريب أن مما قاله الشاعر البار في إحدى انتقاداته للوضع السياسي آنذاك إبان حكم السلطنة القعيطية والكثيرية لحضرموت وتحديدا في آخر سنوات حكمهما وقبل أن تمحو الثورة اليمنية ((المباركة)) رسومهما:
يقول بو عامر نبا مخرج من الحال الذميم
حاله وقعنا وسطها سودا كما الليل البهيم
يا مر قلبي يومنا في ذا الوطن مثل اليتيم
هذا ما قاله الشاعر البار قبل خمسين سنة فماذا تراه قائلا لو كان لا يزال يعيش بيننا اليوم¿
نحن اليوم أصبحنا نقول ما قاله البار! فحالنا ذميم نعيش وضعا غامضا كالليل البهيم لا ندري متى سيسفر عن صبح وماذا سيحمل لنا في قادم الأيام¿ وإذا كان الشاعر المحضار قد وصف اليمن بأنها (يتيمة الأبوين) فنحن كما قال الشاعر البار كالأيتام لأننا فقدنا الوطن الذي نريد.
كل الناس تشتكي من الحال الواقف السياحة واقفة والتجارة راكدة والثقافة ميتة ولم يعد في مقدور الناس سوى شراء ما يسد رمقهم فقط.
قبل أيام افتتح معرض للكتاب في قاعة وزارة الثقافة هذا المعرض هو ما بقي من كتب من مطبوعات دار عبادي للدراسات والنشر بعد أن جعلها صاحبها المثقف الرائع الأستاذ نبيل عبادي وقفية لبيعها بأسعار زهيدة كل ذلك تشجيعا للقراءة للجميع ودعما لمن يريد أن يقرأ وتيسيرا لتحريك الواقع الثقافي الراكد الآسن.
لقد توقفت دار عبادي عن ممارسة دورها التشجيعي لطباعة الكتاب عن الطباعة منذ سنة فلم تعد طباعة الكتاب مربحة كما يبدو ولعل هذه الدار تعاود ممارسة نشاطها الثقافي الذي كان عريقا في الطباعة من جديد حين يتوفر في البلاد استقرار سياسي وأمني واقتصادي يسمح بوجود واقع ثقافي نقي قادر على استيعاب الأدباء والكتاب ويتيح لهم القدرة على طباعة أعمالهم الأدبية والفكرية.
أما الآن ولأننا لانزال نردد: (ما أشبه الليلة بالبارحة) فسيظل الحال واقفا بل قاعدا حتى إشعار آخر في زمن آخر ليس فيه أحد من ساسة زمننا البائس هذا!!

قد يعجبك ايضا