منطقتنا بين خطر الإرهاب وخطر “مكافحة الإرهاب “

عبدالوهاب الشرفي

 - 
لا نستطيع مجاوزة أن الجماعات والعمليات الإرهابية التي  تتواجد وتتم في غير مكان في العالم تمثل مدخلا واسعا لأعمال تتم في منطقتنا العربية والإسلامية بشكل كبي

لا نستطيع مجاوزة أن الجماعات والعمليات الإرهابية التي تتواجد وتتم في غير مكان في العالم تمثل مدخلا واسعا لأعمال تتم في منطقتنا العربية والإسلامية بشكل كبير وجوهري , ولا يفرق في كثير أمام هذه الأعمال أن تكون تلك الجماعات والعمليات الإرهابية مبرمجة كمدخل للقيام بتلك الأعمال في منطقتنا كما يتصور البعض أو أنها خارجة عن سيطرة الجميع ولكنها تفرض التدخل في المنطقة والقيام بما يتم من أعمال لمكافحة الإرهاب كما يتصور البعض.
في النتيجة ما يتم من أعمال ترتيبا على وجود تلك الجماعات والعمليات الإرهابية ليست بالأعمال العادية وإنما هي أعمال واسعة وهيكلية وتعيد بصورة مباشرة صياغة واقعنا برمته جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا وعسكريا وامنيا وثقافيا وقانونيا وإعلاميا وإداريا ولا يسلم منها أي جانب كان .
تحت مسمى مكافحة الإرهاب يعاد صياغة منطقتنا جغرافيا , تستقدم قوات عسكرية كبيرة إليها , تنفذ عمليات عسكرية واسعة داخل أراضيها , تعاد هيكلة الجيوش وأجهزة الأمن بها , تراكم البنية الاستخبارية وتوسع أدوارها , تستحدث وتعدل الكثير من قوانينها ونضمها , يعاد صياغة المناهج التعليمية لطلابها , يتم التدخل في الاقتصاد القومي لدولها , يتم التدخل لتصنيف الكثير من مواطنيها , يبرمج ويوجه إعلامها , تغير توجهاتها واهتماماتها , وتزيف مصالحها ومخاطرها , وغير ذلك مما بات جليا انه يتعرض لأعمال تجريف هادفة بحجة مكافحة الإرهاب .
هذا المستوى الجوهري من التبعات المترتبة على وجود الجماعات والعمليات الإرهابية يهيمن على إخراجها إلى الواقع دول الهيمنة العالمية بينما تراوح دول المنطقة في وضعها كمادة يتم تشكيلها تبعا لروئ وتصورات وحاجات ومصالح وسياسات دول الهيمنة تلك , وتخرج تلك التبعات بصورة مباشرة إلى الواقع تبعا لقرارات وتوجيهات وتوصيات تلك الدول ولا تمثل دول منطقتنا سوى منفذ لا أكثر بل حتى ومنفذ عاجز لا يعتمد عليه في كثير .
استمرار هذا الحال السائد فيما يسمى بمكافحة الإرهاب يعني أننا نتخلى عن تاريخنا وواقعنا ومستقبلنا بصورة عابثة لا مبرر لها على الإطلاق , وسنجد أنفسنا في يوم ما مجرد مستعمرات وكنتونات تديرها عن بعد دول الهيمنة تلك , و ستكون هي من يقرر لدولنا أنماط حياتها وعيشها وثقافتها وقيمها وقوانينها ومصالحها وعداواتها وصداقاتها ووجودها بالكامل , ولن تمثل دولنا أكثر من ” مسوخ وطنية ” لا تقف على أي أساس متين في أي شيء وفي أي جانب .
من الطبيعي أن من واجب دول منطقتنا أن تشارك وتتعاون في هذه المواجهة مع الإرهاب , وأن يكون لها دور كبير وفاعل في هذه المواجهة هو أمر لا اعتراض عليه ولا محاذير فيه من حيث المبدأ , ولكن يجب أن نستوعب ما الذي يتم في منطقتنا تحت مسمى مكافحة الإرهاب وان نخرج من مراوحتنا في وضع المادة التي يشكلها الغير تبعا لرؤاه ومصالحه وأجندته , وأن نتحول إلى شريك حقيقي في هذه المواجهة مع هذه الآفة السرطانية .
مطلوب من دول المنطقة أن تستوعب ما الذي يتم تحت مسمى مكافحة الإرهاب ومدى جوهريته وآثاره عليها حاضرا ومستقبلا , وانه بوضعه الحالي يمثل خطرا كبيرا عليها بمؤازاة خطر الإرهاب لأنها غائبة فيه كمنفذ مؤهل فضلا عن مقرر . وفي ضوء تفهم دول المنطقة لذلك عليها أن تتجه جادة لبلورة آليات منطلقة من رؤى وطنية لمكافحة الإرهاب تضمن مواجهة فاعلة معه من جهة وتضمن ألا يكون هذا الباب مدخلا لفرض أجندات أخرى معادية أو غير مطلوبة أو غير ضرورية أو تجريبية أو مغامرة وتهدف إلى ما هو أبعد من مكافحة الإرهاب من جهة ثانية .
يجب أن نستوعب بكل جدية وبكل اهتمام أننا نواجه خطرين في آن واحد و كلاهما له آثاره السلبية الجوهرية على واقعنا وحياتنا وحاضرنا ومستقبلنا ما لم يكن لدينا رؤية وطنية لمواجهة الإرهاب هي ما يتحدد في ضوئها دورنا في هذه المواجهة , ويتمثل الخطر الأول في الإرهاب ذاته بينما يتمثل الثاني في خطر مواجهة الإرهاب بوضعها الحالي , وهو ما يفرض علينا أن ننتقل إلى واقع الشريك الحقيقي في هذه المواجهة وليس واقع المستخدم التابع وإلا سنخسر كثيرا نتيجة لهذا الفرق الذي لا يلتفت له الكثير من أصحاب القرار في دولنا ومنطقتنا .

قد يعجبك ايضا