لا خيار إلا الشراكة .. والشراكة فقط¿!
أحمد الزبيري
اتفاق الشراكة الوطنية الموقع من القوى السياسية في شهر سبتمبر من السنة المنصرمة جميعها يدعي أنه يسعى إلى تطبيقه ويطالب الطرف أو الأطراف الأخرى بالالتزام به وتنفيذه وهذا يأتي كما هو الحال مع أية اتفاقات سابقة في إطار المماحكة والمزايدة السياسية التي اعتدت عليها هذه الأطراف كتأكيد لعدم جديتها في مواجهة الوضع السياسي والاقتصادي والأمني المتدهور والمأزوم والمنفلت الناتج عن سلوكها وممارستها السياسية النابعة من وهم كل واحد منها أنه أذكى وأدهى من الآخرين معتقدا انه في النهاية ستسير الأمور في صالح هيمنته وفرض إرادته بتخلصه من خصومه وتصبح الساحة خالية له وحده.
في عام 2011م خرج غالبية الشعب وكان في طليعتهم الشباب الذين انسدت الأفاق أمامهم مستشعرين أن استمرار الوضع على ما هو عليه من صراعات سياسية وعنفية وفساد وهيمنة واستحواذ وإقصاء وتهميش فإن المستقبل مظلم وان الأمور ذاهبة إلي المجهول ولا أفق في التغيير إلا بالخروج إلى الشارع سلميا مستلهمين حينها مما سمي بثورات الربيع العربي زخم الروح الكفاحية مستحوذة على عقولهم وقلوبهم إمكانية تحويل الحلم في التغيير الي واقع.. ولأن التحرك الشبابي والشعبي عفويا استمد نجاحاته من الظرف الموضوعي إلا أنه افتقر إلى العامل الذاتي ونعني العنصر القيادي الواعي المنبثق من وسطه القادر على إيصالهم إلي الغايات التي خرجوا من اجلها – وهذه ليست خاصية باليمن – وهذا هو بالضبط ما فتح بوابة حركة التغيير واسعة أمام القوى الاجتماعية والسياسية لتركب موجتها ومعظمها جاء من النظام القديم حاملا معه مشروعه الخاص به الذي لم يكن ثوريا ولا حتى تغييريا ولا وطنيا.
وهنا هيمنت على الجميع القوى الأكثر تنظيما ويصبح الجميع تحت قيادة النخبة المهيمنة على تلك القوى والتي تملك المال لتسخر مسارات الحركة الشبابية الشعبية لمصلحتها مستخدمة إمكاناتها وقدراتها مستفيدة من غياب الشرط الذاتي للنجاح الذي يلبي تطلعات غالبية اليمنيين وتملأ هذا الفراغ وتستبدل التغيير بالعودة إلى الخلف ساعدها بذلك الموقف الخارجي الإقليمي والدولي تجاه مجريات الأحداث في اليمن وتعيد الأمور إلى مربع الأزمة من جديد لتسوق حلول تشاركت أطراف الأزمة في وضعها مع الخارج وكانت المبادرة الخليجية التي ولدت بعملية قيصرية من قبل الأشقاء والأصدقاء والتي قبل بها الشعب باعتبار أنها ستحقق التغيير بأقل كلفة وتجنب اليمن المصير المجهول.
وسارت الأمور مصحوبة بقدر كبير من الأجواء والمناخات التفاؤلية التي سرعان ما بدأت تتراجع بسبب العراقيل والإعاقات التي سعى البعض إلى وضعها منعا لتنفيذ المبادرة الخليجية وتأتي حكومة التوافق التي علق عليها الكثير من الأعمال لتثبت أن كل ما تغير هو انتقال الأزمة إلى مستوى جديد وتدار من أطراف دولية وإقليمية..ومع الدخول إلى مؤتمر الحوار الوطني تجدد الأمل لكن سرعان ما تبددت سحبه بتصاعد فرض الطرف الاجتماعي والسياسي الأقوى هيمنته على المشهد اليمني وبرز ذلك في نزعة السيطرة على مفاصل السلطة بشكل متصاعد مقصيا ليس فقط خصومه بل وحتى شركائه وبدلا من ان يحدث أي شكل من أشكال التغيير الايجابي عمق الفساد والمحسوبية وكان من الطبيعي أن توجها كهذا تصحبه من جديد الصراعات والاحتراب والإرهاب وكبر فشل حكومة التوافق بالتوازي مع هذه الممارسات.
وهكذا بمحصلة الصراع المسلح والوضع السياسي والاقتصادي والأمني المتدهور تدحرجت كرة الاقتتال لتكبر من صعدة إلى صنعاء وفي ظرف سيء اتخذت الحكومة حينها قرار رفع عن المشتقات النفطية مقدمة وثيقة فشلها النهائي مشعلة ثورة 21 سبتمبر التي تصدرتها حركة أنصار الله فارضة وجودها كقوة بات من الصعب تجاوزها معلنة أنها تريد شراكة مع الجميع لتوقع كل الأطراف اتفاق السلم والشراكة الوطنية التي يفترض من كل القوى السياسية أن يكونوا قد استوعبوا أخطائهم ووعوا الدرس تماما لاسيما تنظيم التجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام وأنصار الله والترجمة العملية التعاطي بصدق ومسؤولية مع هذا الاتفاق وهذا سيبرز من خلال العمل على تطبيقه بجدية ويفترض ذلك قناعة راسخة بأن الشراكة المؤدية إلى بناء دولة يمنية القادرة والعادلة المؤسسة على عقد اجتماعي جديد يجسد جوهر هذه الشراكة في السلطة والثروة وبه يبنى نظام سياسي لدولة القانون الذي يتساوى أمامه الجميع في الحقوق والواجبات..دولة المواطن وأي حسابات خارج هذا الخيار تراهن على الصراع والعنف والإرهاب لأن التجربة أثبتت وتثبت أن المنتصر مهزوم ومصلحة كل اليمنيين في الحاضر والمستقبل تحققها الشراكة.. والشراكة فقط.