أخلاق المجرمين !¿
مفيد الحالمي
مفيد الحالمي –
– كان يسعدني فيما مضى إذا ما نعتني شخص ما بالتشدد .. على اعتبار أن التشدد في هذا الزمن المتفسخ ما هو إلا الاعتدال بأم عينه .. فلم أك إلى وقت غير بعيد أجد حرجا من تهم التشدد والتطرف بل على العكس كنت أعدها شهادة لي أمام الله عز وجل تمسكا بقاعدة (الزم طريق الحق ولا يضرك قلة السالكين وتجنب طريق الباطل ولا يغرك كثرة الهالكين ) .. كنت أعتبر نفسي من المتشددين وكنت أفتخر وأفاخر بذلك حتى رأيت الجنود يذبحون بطريقة يهتز لها روح الكون ورأيت انفجارات يذهب ضحيتها بدون ذنب الكثير من الأطفال والشبان والعجائز ممن ليس لهم ناقة ولا جمل وليس لهم أي صلة بالعدو المزمع المرسوم في أذهان المفجرين .. عندئذ أدركت واكتشفت متأخرا أن ثمة تشددا وتطرفا غير التطرف الذي أقصده !! .
فثمة بون شاسع بين التطرف البريء المرسوم في ذهني وبين التطرف الجريء المترسخ في قناعات هؤلاء المغلوطة .. فما كنت أقصده أنا هو التشدد في أداء الطاعات التعبدية كالصلاة والصيام والأذكار ورفع سقف النوافل والالتزام بالآداب الدينية ما استطعت وليس الاختلاف حول ذبح المسلم لأخيه أو بالأحرى ذبح الإنسان لأخيه الإنسان .. فهذا ليس عليه خلاف ولا يختلف عليه اثنان ( اثنان أسوياء ) ولعل أبرز شواهد التطرف وأدلة عدم إمكانية تبريره هو أن إدانته ونبذه تأتي حتى من الأطراف التي تنتمي إلى نفس التيار الذي انبثق منه .
لماذا تنبثق إدانة التطرف حتى ممن ينتمون لنفس التيار الذي يعبر عنه¿ .. الإجابة: لأن الفعل (الإجرامي) المقترف يتجاوز كل المعايير الدينية والإنسانية والأخلاقية بشكل غير منطقي .
بل ويتجاوز حتى الأخلاق الإجرامية نفسها ويتعدى حتى الحدود الأخلاقية التي يلتزم بها حتى المجرمين أنفسهم¿!
ولأني خريج قانون .. فلقد درسنا في الجامعة أنه حتى المجرمين لهم أخلاق أو حدود أخلاقيه لا يتجاوزونها في ذروة تنفيذهم لعملياتهم الإجرامية .. من ذلك أن المجرم (وهو مجرم ورغم إجرامه) لا يمكن أن يسمح لنفسه بالاعتداء على امرأة أو طفل أو عجوز أو أسير أو رجل في السوق أو مسجد باعتبارها مقدسات دينية وحرمات شديدة تلامس آخر ما تبقى من المخزون الاحتياطي القيمي والخطوط الأخلاقية الحمراء التي لا يسمح لنفسه بتجاوزها لئلا يسقط سقوطا لا رجعة فيه أمام الله عز وجل وأمام المجتمع وأمام نفسه أيضا .
ومن صور ذلك .. قام لص في الولايات المتحدة الأمريكية بسرقة كاميرا من سيارة لكنه أعادها بعد أن عرف أن صاحبتها مريضة بالسرطان وهي تقوم بأخذ صور لنفسها بهذه الكاميرا لأطفالها حتى يتذكروها بعد مماتها .
وقام لص في السويد بتحميل محتويات لابتوب ـ كان قد سرقه ـ على فلاش ميموري “USB” وإرساله لصاحب الجهاز تعود القصة عندما ترك أستاذ جامعي سويدي حقيبته دون رقابة وبداخلها كمبيوتره وقد ســرقت هذه الحقيبة الأمر الذي أحزن الأستاذ لأن الكمبيوتر يحتوي على أبحاثه ومحاضراته خلال 10 سنوات لكنه فوجئ بأن اللص أرسل إليه (فلاش ميموري) يحتوي على الأبحاث والمحاضرات.
واقتحم لص في ألمانيا بيتا من أجل سرقته ليجد بداخله مربية أطفال أرغمها على السكوت مستخدما سلاحه لكنه انسحب من البيت فور رؤيته طفلين في البيت يعرضان عليه مصروفهما حتى لا يؤذيهما الأمر الذي جعله خجولا من نفسه لينسحب من البيت دون ارتكاب السرقة .
وقام لص في استراليا بسرقة سيارة مفتوحة النوافذ وكانت غنيمته عبارة عن هاتف جوال ومحفظة . عندما فتح اللص الهاتف الجوال وجد به صور تحرش بأطفال الأمر الذي أثار غضبه وهو ما دفعه إلى تسليم نفسه معترفا بسرقة هذا الجوال فقط من أجل القبض على صاحبه الذي تبين أنه في الـ46 من عمره . صاحب الهاتف انتهى به الأمر في السجن بعد التحقيقات .
– وقام لص بسرقة سيارة لكنه سرعان ما أعادها بعد اكتشافه أن هناك طفلا بداخلها فقد عاد بالسيارة إلى المكان الذي سرقها منه ليجد الوالدين مذعورين فوبخهما على ترك طفلهما دون رقابة ثم هرب .
وغيرها من الصور والأمثلة التي انقرضت في واقعنا العربي لتؤكد أنه قد ( ذهب من كل شيء أحسنه حتى السرق ) .. فلقد أصبحنا إزاء جيل من المجرمين الذين لا يلتزمون حتى بالحدود الأخلاقية للمجرمين في تأكيد لا يقاوم لحقيقة التطرف الديني .. لنجد أنفسنا نحن المعتدلين في ورطة حقيقية بين المتطرفين الدينيين الذين لم يفهموا من الدين إلا الذبح والتفجير وبين المتطرفين العلمانيين الذين يتحسسون حتى من الصلاة على النبي (صلوا عليه وسلموا تسليما) !! .
فبين من يريدون ذبح الناس ومن يريدون ذبح الدين نقف نحن