واحدية الهم وتعدد زوايا النظر (1-2)

عبدالله أحمد حسين*


في ظل ثورة المعلومات والتطور الكبير في شبكات الاتصالات تشهد القصة القصيرة جدا اليوم اقبالا كبيرا إبداعا وتلقيا فقد غدت سجلا للحياة اليومية يرصد الكثير من الهموم والمشاكل الذاتية والعامة, وقد اتخذت لها شكلا جديدا استغني عن الثرثرة والاستطراد واحتفى بالتكثيف والاختزال والمكاشفة واستبطان تفاصيل الواقع, وقراءة الأشياء قراءة جمالية, وهي تشكل بذلك فنا أدبيا يكشف مدى التصاق القاص وانشغاله بهموم مجتمعة وتوضح زاوية نظره إلى تلك الهموم, وتكشف عن طريقة معالجته لها, وهذا ما لمسته أثناء قراءتي لكتاب “القصة العربية القصيرة جدا” حيث سيطر عدد من الهموم الاجتماعية على معظم النصوص المنشورة فيه مما يوحي بواحدية تلك الهموم وشموليتها لجميع أقطار الوطن العربي الكبير, من المحيط إلى الخليج, وإن تعدد زوايا النظر واختلفت من قاص إلى آخر.
وقد جاء هذا الكتاب ثمرة لفكرة وجهود الأستاذ الكبير فؤاد نصر الدين الذي قام بإنشاء مجموعة قصصية على الفيس بوك دعا إليها كتاب القصة ومشجعيها من أقطار الوطن العربي, حيث لبى الكثيرون منهم تلك الدعوة وساهموا في دعوة أصدقائهم بدورهم, وكان هذا الكتاب ثمرة أولى لذلك الجهد الطيب.
وإنها لفرصة عظيمة أن تجتمع مثل هذه النصوص الغنية بتنوعها وتعدد مواطنها في سفر واحد بين يدي الدارسين ليخضعوها للدرس والتحليل من أجل استكناه أغوارها ورصد مؤشراتها, والكشف عما تحمله من رؤى وتطلعات تمثل هموم الأمة وشواغلها في هذه الفترة الزمنية العصيبة.
شارك في الكتاب مائة وأحد عشر كاتب من جميع أقطار الوطن العربي, ومن العرب المقيمين في بعض الدول الأوروبية وأمريكا, وتضمن حوالى خمسمائة نص قصصي, فكان بمثابة لوحة فيسفائية كبيرة ساهم في تطريزها فنانون مختلفو الخبرات والقدرات والأعمار, فمنهم الأكاديميون والأطباء, والصحافيون, وطلبة الجامعات وربات البيوت, وبعض الشعراء الذين يكتبون القصة القصيرة جدا, وغيرهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو: هل هناك قواسم مشتركة بين الكتاب أو بالأحرى رؤية مشتركة بينهم يجتمعون حولها¿ وهل مواقفهم من الحياة وهمومها متشابهة¿ وإلى أي حد يبلغ هذا التشابه¿ وكيف يمكن تفسير ذلك في ضوء ما أسلفناه في الفقرة السابقة عن مدى التباين الجنسي والتعليمي والمهني و… بينهم¿!
تشير القراءة الأولى للكتاب إلى وجود ملامح مشتركة بين نصوص الكتاب, ويمكن تحديد أبرز المواضيع التي هيمنت على النصوص كالآتي:
– المرأة وقضاياها.
– حرية الرأي ومعاناة المثقف.
– هموم المعيشة.
– الوضع العربي الراهن وقضاياه.
ولا يعني هذا أن نصوص الكتاب قد اقتصرت على معالجة هذه المواضيع فقط, فهناك الكثير من المواضيع التي تشكل جوانب الحياة المختلفة كان لها نصيب في النصوص, وهذا ما سنشير إليه في إشارات عابرة نظرا لضيق الوقت والمساحة المخصصة للبحث, ونأمل أن تتاح لنا فرصة قادمة لدراسة ذلك, وغيره من المواضيع الفنية ذات الصلة.
1)- المرأة وقضاياها:
مما لا شك فيه أن المرأة تمثل نصف المجتمع, وهذه حقيقة لا غبار عليها, ولكنها غالبا ما تتكرر وتكتب وتقال دائما دون النظر إلى ما وراءها من أدوار مختلفة تعادل مقدار النصف الذي تشكله في المجتمع, ولذا لن نستغرب أن تحتل المرأة وقضاياها المكان الأبرز في الكتاب فقد كان للمرأة حضورها الطاغي في نصوص الكتاب, بغض النظر عن جنس كاتب للنص.
وقد كانت قضية علاقة الرجل بالمرأة حاضرة منذ النصوص الأولى, ويعد حلم المرأة في جذب الرجل والاستحواذ على اهتمامه هو الهم الأكبر والشاغل الأول للمرأة على صعيد تلك العلاقة, وهذا ما ترصده قصة “الدلال” للكاتب السعودي خالد اليوسف, حيث نقرأ: “لا تفتأ أن تطلب منك شيئا ما, وطلبا لا حاجة لها به, ثم تلحقه بآخر وآخر حتى تشعل فتيل غضبك, فتضحك منك, ثم تبتهج لبلوغها مرامها وسيطرتها على أحاسيسك ومشاعرك وتفكيرك, وتشعر بالنشوة حينما تراك لبيت كل طلباتها, ولم يعد لك هما إلا هي!!.”(1).
ولأن المرأة خير من يعبöر عن قضاياها نجد النصوص التي كتبتها النساء أكثر ملامسة وصدقا لتلك القضايا, وهذا ما نلمسه لدى الكاتبة الجزائرية هداية مرزق ترصد موقفين متباينين للرجل وعلاقته بالمرأة ففي قصة “دعاية” تصور تخلي الرجل عن المرأة بمجرد شعوره بعدم فائدتها, في حين تصور قصة “عاصفة” وفاء الرجل: “تساوى عنده الليل والنهار.. منذ رحلت أغلق أبواب قلبه, وأسدل ستائر الروح.. هبت عاصفة أغرقت القلب, وفتحت المواجع ومحت كل الآثار..”(2).
ولأن المرأة ذلك الكائن الرقيق اللين, فهي سريعة الرضا كما أنها سريعة الاشتعال, تفعل بها الكلمة ما لا يفعله سواها, وتحولها من لبوة إلى حمامة, ومن حمامة إلى لبوة كاسرة, وتمثل الغيرة الريح التي تسبب اشتعال جذوتها, كم

قد يعجبك ايضا