مشاريع عربية مجهضة!!

جميل مفرح


 - 
ما يشهده الوطن العربي منذ الربع الأول من العام 2011م في مجمله يمثل حالة كان وما يزال من الملزم والضروري الوقوف إزاءها وتأملها ليس بكونها حالة ثورية استثنائية كما روج ويروج لها هنا أو هناك من قبل زمرات سياسية قليلة من المنتفع

ما يشهده الوطن العربي منذ الربع الأول من العام 2011م في مجمله يمثل حالة كان وما يزال من الملزم والضروري الوقوف إزاءها وتأملها ليس بكونها حالة ثورية استثنائية كما روج ويروج لها هنا أو هناك من قبل زمرات سياسية قليلة من المنتفعين الذين وجدوا في التثوير والتأجيج فرصة لتحقيق مصالحهم والارتزاق من تلك التحركات المشبوهة التي عادت على البلدان التي حدثت فيها بالوبال وولدت كراهيات متتالية من كل فعل ثوري حقيقي ونزيه. لقد بات من الواضح جراء التقلبات السيئة التي شهدتها بعض البلدان أن ماحدث وما يزال يحدث حتى اليوم كان فعلا سلبيا بكل المقاييس وأدى أداء عكسيا لما يفترض أن يكون عليه الفعل الثوري الحقيقي.
وبناء على ذلك فقد بدا ويبدو لنا بجلاء كيف أن تلك التحركات والتفعيلات الثورية أدت إلى ما أدت إليه من فشل وانتكاسات هزائمية مخيبة للآمال والطموحات لأنها لم تبن على أسس سليمة ودعائم ثابتة وحقيقية تقف وراءها ثورات تغييرية طبيعية وحقيقية ولعل أكثر دليل على ذلك التكون غير السليم فشل تلك الأفعال التثويرية في تحقيق النتائج المرتجاة من وراء كل عمل ثوري واقعي ونزيه.. ومن المدهش أن يكون من نتائج تلك التحركات والأفعال التثويرية العودة إلى تمني عودة الأحوال إلى ما كانت عليه في معظم الحالات العربية إن لم يكن في كاملها بل وعودة تلك الأنظمة السابقة التي تمثل الثورة ضدها إلى سدة الحكم بصور مختلفة ومتباينة في البلدان التي شهدت تلك الأحداث التغييرية التي كانت حلما جميلا لمختلف الشعوب العربية وحتى التي لم تتحرك حتى الآن أو لم يحدث فيها بعد تخلف ثوري تغييري.
لقد اتضح بقوة أن ما حدث ويحدث في كثير من الأقطار العربية ما هو إلا عملية إجهاض مدبرة ومفتعلة للفعل الثوري الحقيقي الذي كان يغلي ويتخلق في ثنايا وصفوف الشعوب التي كانت تعاني وتطمح إلى تغيير إيجابي ينتشلها من واقعها الراكد وينتقل بها إلى معايشة الجديد والمتجدد الذي يعيشه الإنسان المتطور في البلدان المتطورة والمتقدمة الأخرى في الغرب والشرق.. كان ذلك الفعل جنينا يقطع أطواره الطبيعية ليخرج في موعده الطبيعي مولودا مكتملا في نموه وأداء وظائفه ولكن ما حدث ويحدث هو فعل استعجالي إجهاضي أدى إلى خروج ذلك الجنين مخلوقا غير مكتمل مما أدى إلى اختناقه وعدم تواؤمه مع طبيعة الحياة الفعلية.
إن ما حدث ويحدث هو تعد حقيقي على الإرادات الشعبية وتشويه لها.. وإنه لمن المعيب أن تظل الشعوب متفرجة أو مسيرة لتلك الإرادات التي تحاول إجهاض أحلامها وعرقلة مشاريع طموحاتها في بناء أوطان تستطيع التعايش مع ما يسير حولها من مسيرات تطور وبناء في العالم المتقدم وتحفظ للإنسان حقوقه وكراماته التي كفلتها ونصت عليها القوانين الإنسانية. إن الحياة تحت رماد الواقع وسطوة الأنظمة المتسلطة كانت بمثابة الاختناق بداخل قوقعة ضائعة في قاع محيط أو في بطن صحراء مقحلة لا شعور بداخلها سوى بالرمضاء والاكتواء والاختناق وهو ما كانت الشعوب العربية تطمح في النفاذ والخلاص منه وكانت تعد له أو تنتظر لحظته الحاسمة المناسبة.. وإن ما حدث كان مشروع إجهاض أو سلب لتلك اللحظة لئلا يعيشها الإنسان العربي بشكلها المثالي.
أخيرا.. يبدو أن على الشعوب العربية الآن أن تعيد حساباتها بعد فشل مشروعها أو بالأصح بعد إفشال مشروعها الذي كان يطمح إلى أن يكون ناهضا ومغيرا تغييرا فعالا حقيقيا.. وأن تستيقظ لما يجري من حولها لئلا تغدو ذلك الأطرش الكفيف الذي يساق إلى فوهات البراكين ويقذف فيها.. على الشعوب أن تعيد ترتيب أوراقها جيدا وأن تفتح أعينها لما يخطط له ومن أجلها أو من أجل إجهاض مشاريعها الخلاقة.. ما لم فإننا كشعوب سنظل في دوائر الخطر ومسارات التهميش والاضطهاد بشكل أو بحجم أكبر وأبلغ وأقسى مما كانت تشكو منه سابقا.. والله المعين.

قد يعجبك ايضا