اغتيال المتوكل .. موت للنقد الذاتي في اليمن

فتحي الشرماني


 - كنت أرى في الشهيد محمد عبدالملك المتوكل مفكرا يمارس النقد الثقافي للتصورات المهيمنة التي تأخذ اليوم شكل بديهيات ومسلمات لا تسمح ثقافتنا بمناقشتها لأنها راسخة في الأذهان, والنقد الثقافي
كنت أرى في الشهيد محمد عبدالملك المتوكل مفكرا يمارس النقد الثقافي للتصورات المهيمنة التي تأخذ اليوم شكل بديهيات ومسلمات لا تسمح ثقافتنا بمناقشتها لأنها راسخة في الأذهان, والنقد الثقافي بذلك هو نقد للذات وجرأة وشجاعة في رفض الخطأ, وإثبات أن كثيرا من مشكلاتنا السياسية تعود إلى الثقافة الخاطئة, وهذا ما لا نجده عند الكثير من السياسيين.
إن الخطاب السياسي عند الدكتور المتوكل كان خطابا فاعلا, فالرجل كان في أحاديثه للإعلام يطرح رؤى ناضجة وعقلانية .. كانت التجربة والخبرة تدعمه لطرح هذا الخطاب, وكانت معارفه الأكاديمية تمده بالمعاني والأفكار التي تجعله يناقش جوهر المشكلات لا قشورها, ويطرح الحلول لا المسكنات, ولو عدنا إلى لقاءاته المصورة لوجدنا ما يكشف عن داهية من دواهي الفكر والسياسة, وكنت شخصيا أعد اليوم الذي أشاهد فيه لقاء للدكتور المتوكل كأنه يوم عيد لأنني في تلك اللحظات أخلو بنفسي أمام التلفاز لأسمع ما الذي سيقوله هذا الرجل من كلام يندر أن تسمعه من السياسيين الذين اعتادوا أن يخاطبوا الجماهير بخطابات مرتبكة متنافرة الأفكار.
في مقابلة معه نشرتها إحدى الصحف الرسمية في أحد ملاحقها قبل ما يزيد عن عام أو عام ونصف لم أملك إلا أن أسجل بعض ما يطرحه لأحتفظ به مادة في النقد الثقافي لا بد أن أعود إليها في بحث أعده يوما ما.
صدقوني أن الذي اغتال الدكتور المتوكل لم يرد قتل المتوكل السياسي ولا المتوكل الزيدي ولا المتوكل الهاشمي, وإنما أراد قطتل المتوكل المفكر, الذي ينتج الخطاب العقلاني والرؤى المتصالحة مع الآخر .. لقد كانت قوى الشر ترى في عقل هذا الرجل خطرا على مستقبلها, لاسيما أنه يطرح تصورات كفيلة بهداية اليمنيين إلى مكان الجرح, ولذلك سارع أعداء الوطن إلى إسكات صوته/ روحه حتى يظل الجرح ناضحا بالقيح, والألم باقيا.
والمشكلة أن قصر النظر عند بعض السياسيين كان يحول بينهم وبين تقبل ما يريده الدكتور المتوكل في مواقفه وخطابه السياسي, وليس ذلك إلا لأنهم اعتادوا تقديس الأفكار وترسيخ المفاهيم المعتقة, دونما رغبة في الإقدام على المواقف الشجاعة وصناعة الخطاب الجريء الذي نحتاج إليه, لاسيما في هذه الظروف التي نحن فيها بأمس الحاجة إلى الحقيقة والمكاشفة ومساءلة الذات.
إنني في حقيقة الأمر أحتاج للكثير من المساحات حتى أكتب نصا متكاملا عن فكر هذا الراحل العظيم, ولكن جدير بالمراكز البحثية والمؤسسات الثقافية أن تبادر إلى جمع وتبويب ما كان يطرحه من معارف ومواقف وتحليلات وآراء, وإلى الله نشكو يدا آثمة امتدت لتغتال وطنيا أمينا, ومفكرا ناقدا, وداعية سلام وتصالح ومدنية بحجم الدكتور محمد عبدالملك المتوكل.

قد يعجبك ايضا