ويستمر اغتيالك يا وطن
جميل مفرح


أدرك في وقت ما أن الوطن أكبر من أن يعد مجرد غنيمة يتم التنازع عليها والتسابق إلى طويها تحت إبط هذا أو ذاك من الأشخاص أو هذه أو تلك من القوى السياسية أدرك أن الوطن سماء مظلة ومغدقة وقيمة لها من القداسة والسمو ما لا يمكن أن يتم معه الخوض في مكانتها ومعناها بدعوى أو مبرر امتهان ما يمكن اعتباره في الوقت الراهن عملا سياسيا أو بالأصح صراعا سياسيا تخوضه قوى لا يعرف بعضها معنى من معاني الوطنية والاشتغال السياسي سوى كم تكسب لنفسها وكيف تطيح بسواها بأي شكل من الأشكال وبأي حال من الأحوال وأن يكون ذلك السوى الوطن نفسه أو جزءا منه!!
رجل بلغ من المعرفة والخبرة في خوض السياسية وذرع دروبها ما لم يبلغه سواه تقريبا من أقرانه وأمثاله من رجال السياسة والمشتغلين عليها لذلك وجد نفسه ووجدناه نحن أيضا يلمع كفكرة ويتوهج كيقين بأن السياسة خصوصا في الوقت الراهن داخل إناء هذا الوطن أبأس وأسوأ من أن تخاض من قبل من يؤمنون برفعة شأن الوطن ويقدسون المعنى الحقيقي للوطنية وكان بلا أدنى شك من هؤلاء الذين يمكن أن يفخر الوطن بانتمائهم إليه ويعتز بإيمانهم به لأنهم أرقى من أن تأخذهم نزعات تتعارض مع القيم السامية لأجل أية مصلحة تتعارض مع الوطن وقيمه المختلفة.
الدكتور محمد عبدالملك المتوكل الكاتب والمفكر والسياسي والناشط الحقوقي والأستاذ الجامعي الذي ما أن تجلس إليه أو تستمع إلى طروحاته وأفكاره وقناعاته حتى تتنفس الصعداء لإدراكك أن الحياة ما تزال تنتج أو تحتضن مثل هذه الهامات الإنسانية الشامخة والتجارب الفكرية والسياسية المثلى التي تشعرك بالاطمئنان إلى كل شيء يتعلق بالوطن والعمل الوطني والسياسة والفعل السياسي.. وتجعلك تؤمن بأن ثمة فواصل ومحطات وطاقات بإمكانها أن ترمم كل ما حاول ويحاول تجار السياسة وأربابها النفعيون الإطاحة به وتدمير معانيه ومبانيه الطبيعية لتغدو هشيما وغبارا في سبيل الظفر بانتصاراتهم الوهمية الزائفة هل حقا قتل الدكتور محمد عبدالملك المتوكل¿! نعم قتل بيد غادرة تعمدت أن تسلب الوطن واحدا من أوفى وأصدق وأشجع أبنائه الذين حملوا همومه وعشقوا ترابه عشقهم لسموه وسؤدده.. نعم قتلوا ذلك الرجل الذي أثبت سواء بمفرده أو عبر نظم المجتمع والسياسة المختلفة من حوله أنه ما يزال في الحياة ما يمكن اعتباره وعد عزاء كافيا وتعويضا مقنعا عن كل ما يلحق بنا والتاريخ والحضارة الجديدة من هزائم وخسارات لم يكن يعتقد أن يوجد لها عزاء أو تعويضا بعيدا عن مثل هذه الهامات الوطنية التي يتعين بالضرورة علينا احترام وتقديس حضورها الفاعل قدر تقديسنا للوطن ولقيمه الوطنية ومعانيها..
بالطبع لن يكون الدكتور محمد عبدالملك المتوكل آخر أحزاننا لأنه لن يكون آخر قتلانا فمن يقتل علما فكريا ورجلا حضاريا ووطنيا فذا حرا كالدكتور المتوكل سيقتل سواه خصوصا وأن ثمة من يرى في القتل وسيلة تنظيف لدروب السياسة القذرة من كل ما يمكن عده طهرا ووفاء وحقيقة مثلى في الحب والولاء للوطن.
أجزم وأوكد أن عملية اغتيال الدكتور المتوكل ليست من الذنب ما يعنيه قتل نفس حرم الله قتلها وحسب.. بقدر ما هي قتل متعمد لوطن مثخن بالخذلان والحسرات جراحاته كلها مفتوحة لأن ثمة من يتعمد أن تظل موجوعا ومطعونا بالخيانات والعقوق والعصيان.
وأخيرا: لماذا أيها الغادرون تصممون على قتل وأجمل ما فيه وكأنه عدو.. أو كأنه لم يوجد إلا ليكون هدفا لنبال غدركم ورماح خياناتكم المسمومة.. أيها البغيضون لم تكن البغضاء قبلا بهذه البشاعة التي تتبنونها ولا تجيدون سواها.. فهل هذا كل ما استطعتم أن تقدموه لأنفسكم ولوطنكم وللبشرية من حولكم¿! ياللخسارات التي تضيفونها إلى حصاد أعماركم الهامشية!! ستظلون في الهامش نعم مادمتم قتلة وسيظل الظلام والغدر بيئتكم الدائمة حتى وأنتم تنظرون إلى أنفسكم في مرآة ما فعلتموه وتفعلونه.. ستظل الخسارات والندم والشعور بالفناء والهزائم هي كل ما تجنونه من حصاد لسفك دماء الأبرياء والشرفاء وطعن الأوطان في خواصرها!!
