شوارب حريرية.. وضفائر شوكية

محمد الغربي عمران



نجمة الأضرعي.. صادقة فيما تجترحه في كتاباتها .. مختلفة عن غيرها من بنات وأبناء جيلها.. فالبعض يكتب من باب التسلية أو مجاراة وتقليد لمن حولها من كاتبات وكتاب.. لكنها نجمة تشعر القارئ بصدق تلك الأفكار التي تقدمها. وأيضا في اقتحامها لإدارة أنشطة نادي القصة مع زميلاتها وزملاءها وتطوير المشهد القصصي.
اليوم أكتب عن إضمامتها البكر.. وفي البداية أسجل إعتذاري لها .. فلي مع هذه النصوص حكاية.. فحواها أن الكاتبة استشارتني في طباعتها.. فأشرت بمركز عبادي .. ولأكثر من سنة والعزيزة الأضرعي والعزيز عبادي في خلاف على جوانب فنية هامشية يراها المبدع لفرط حساسيته وحسه الفني أنها مهمة. لأكثر من سنة ونحن نحاول التوفيق بينهما لإخراج تلك النصوص إلى دائرة الضوء .. لتدخل على نفس الخط العزيزة المبدعة أسماء عبد العزيز في محاولة لحل إشكالهما.
فاجأتني نجمة وهي تهديني نسخة من إصدارها وقد طبع بإخراج أنيق وغلاف غاية في الجمال .. وبعنوان ملفت “شوارب” 18 نصا مائة صفحة.. مع عدة فقرات مختارة لأكثر من كاتب على سبيل البشارة بمولد خرجت تلك النصوص إلى النور في بداية 2014.. صنعاء .. مطابع اليمن الحديث!
حقيقة الأمر أتمنى لهذا الإصدار أن يوزع ليقرأه الجميع.
في بداية الأمر توصيف يقرب ما يعنيه الإبداع.. وللنقاش أطرح رأيي “أنه العمل الذي يدهش عن مبدع أنتجه بوعي” والإدهاش قد يأتي بالنسبة للقصة . في الفكرة.. أو الصياغة.. أو النهاية المتقنة.. وقد يأتي في الحوار وقد يأتي في الحدث أو رسم الشخصية ..أو في مناحي أخرى من النص. وما بين أيدينا نصوص تستحق الوقوف والتحليل .. ويمكننا أن نوزعها إلى ثلاثة مستويات :
– نصوص فيها أركان القصة التقليدية.
– نصوص تميزت في جوانب .
– نصوص جديدة.
وسأتناول النصوص التي جاءت بجديد .. وأعني بذلك أن علينا ككتاب ألا ندور في دائرة التقليد من حيث المواضيع المعالجة بكثرة في نصوص غيرنا.. وألا نكررها إلا إذا أتينا بمعالجة جديدة وصياغة أو شكل جديد.. الجانب الثاني .. أن نستخدم أساليب جديدة في تقديم أفكارنا .. متجاوزين الحكي المتبع.
وبذلك أجزم بأن الخمسة النصوص التالية تمثل تجاوز نجمة رغم بداياتها في بقية النصوص:
– الصندوق الأسود
– التنور
– دعابة
– براءة الشيطان
– لسعة ورقة
وسأحاول إبراز جوانب التجديد في تلك النصوص.. وبلمحات مقتضبة وسريعة.
– التنـور.
لولم تكتب نجمة إلا التنور لكفى.. قدم هذا النص الكاتبة بقدرات سردية عالية.. فالموضوع جديد.. وهذا سر روعته.. ثم أجادت الكاتبة معالجته بشكل بشكل مدهش.. بحيث أشعرت القارئ لحظات قراءة النص بأنه في مشاهد حركية متسارعة .. يذكرنا ذلك بمناظر الريف الماطرة حين تتلاحق تلك البروق من قبة السماء.. هذه هي نجمة تصور لنا المرأة كائن مختلف غير منكسر ..غير تعيس كما ترسمها نصوص كتاب كثر.. هنا المرأة كائن خلاق.. كائن يستمتع بما يقوم به.. كائن يصنع لحظاته لإطعام الآخرين.. وهو تكريس للمرأة الخصب والعطاء الذي قدمته معظم الأديان القديمة. ومنها دياناتنا اليمنية . نرى النار .. تلك العجين .. الأصابع.. تلك الحركات البهلوانية شبه المقدسة.. هي الكائن العظيم تمارس طقوس عطائها.
إذا الفكرة جديدة.. وكذلك الصياغة رائعة.. إضافة إلى ذلك الحكي المشهدي المتتابع والأكثر دهشة.
– دعـابة.
نص حزين ومؤثر.. زينب حبيبة علي.. هكذا هي نجمة تختار موضوع كثيرا ما تناولته نصوص من سبقوها.. القتل الخطأ.. سلبيات حمل السلاح.. لكنها تعالجه مازجة الرومانسية بالفجيعة.. وهذا ما يدهش.. علي في موعد مع زينب تحت الشجرة.. علي يود أن يظهر كرجل أمام حبيبته بحمل بندقية أبيه.. علي يشارك زينب كسرة خبز .. وتشاركة بجرعات حليب.. زينب تطلب منه أن يريها بندقيته.. يناولها بعد ممانعة ” وقبل أن يلتفت إليها تسللت سبابتها متجهة نحو زناد لم يكذب الخبر” وهكذا “دوى صداها في أرجاء القرية .. غاصت-الرصاصة- جسده الصغير سكنت في أحشائه .. معلنة مولد قتيل جديد”
للحظات هرع سكان القرية تلبية لنداء الرصاصة.. ليسمعوا علي يردد بصوت ماهن ” لا دخل لزينب, أنا من….”
نص يعيد القارئ إلى عمق الروح الإنسانية, وتلك العاطفة الشفافة.. حين يفدي الحبيب حبيبة.. ويضحي دون أن يفش بسره.. ليموت هو وتبقى تداري سر جرم سينعكس على بقية حياتها .. فقد رحل وتركها بين جمر وفاءه.
من يحمل روح من ¿ من لجمال قلب علي .. في زمن يسعى الجميع للإضرار بالجميع عن قصد وتعمد.. شكرا علي .. ويا لعذاب زينب من الفقد الذي صنعته أصابعها في لحظات سهو . نص أبدعته نجمة بصدق فني عالي .. ليعبر عن مضمون مجتمع الريف النقي.. وتلك قصص كثر لا يذكرها أحد ولا تسلط الأقلام مدادها.
– الصندوق الأسود.
نص ي

قد يعجبك ايضا