مرحى يا عراق
أ.د عمر عثمان العمودي
– مضحكات مبكيات من حرب الخليج الثانية:
شر الأمور كما يقول المثل ما يضحك وشر المضحكات هي المضحكات المبكيات وما أكثر المضحكات المبكيات في حياة مجتمعاتنا العربية المعاصرة وفي تاريخها السياسي المعاصر وقد اشتهر القادة والحكام العرب المعاصرون بالقدرة وبعدم القدرة بالقدرة على صناعة المشاكل والمعضلات والأزمات السياسية والاجتماعية لأنفسهم ولمجتمعاتهم السياسية بكفاءة واقتدار وبعدم القدرة على قراءة تاريخهم السياسي واستخلاص العبر والدروس من أخطاء الماضي وبالتالي تجنيب أنفسهم وبلدانهم وشعوبهم من أخطاء ومهازل التاريخ الماضي أين استفادتهم من أخطاء ودروس وعبر هزيمة ونكبة حرب عام 1948م في فلسطين وهزيمة يونيو 1967 وخلافاتهم وصراعاتهم البينية المستمرة التي كثيرا ما جمدت أو أضعفت التضامن العربي ومسيرة العمل العربي المشترك وفي حرب الخليج الثانية اثبت الحكام والحكماء والقادة العرب أنهم قولا وفعلا من سادة و جلاوزة صناعة المضحكات المبكيات ماذا صنعوا وماذا فعلوا¿ وماذا حل بهم من فعلهم ومن صنع عقولهم وبأيديهم¿ ومن ذلك:-
– ألم يكن في مقدور الحكام العرب (22) حاكما أن يتداركوا أمر تفجر الأزمة بين العراق والكويت بحلها أو تجميدها والحيلولة دون تطورها إلى حد الاجتياح والغزو العراقي المباشر لدولة الكويت ومحاولة إلغاء وجودها وسيادتها القائمة والمعترف بها إقليميا ودوليا¿ أين أحلام الرجال وحكمة وسياسة ودبلوماسية وكياسة القادرين منهم¿ لم نر شيئا من ذلك دارت اجتماعاتهم عبر جامعة الدول العربية “بيت العرب الأول وإطار نظامهم وأمنهم القومي” إلى تبادل الشتائم والتهديدات ولم يتعلموا شيئا لا قبل وقوع الفأس في الرأس ولا بعد وقوعها.
– على أي أساس وعلى أية معايير بنى صدام حسين الزعيم والرئيس المتفرد بصناعة القرار العراقي حساباته¿ ألم يكن يعرف واقع المجتمع السياسي الدولي في ذلك الوقت¿ ألم يكن يعرف أن منطقة الخليج العربية تدخل ضمن المصالح الحيوية السياسية والإستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية وان هذه المنطقة تدخل ضمن الخطوط الحمراء التي لن تسمح لأحد من حكام وقادة الشرق الأوسط أن يتجاوزها لا صدام حسين ولا غيره.
– ومن الأمور المضحكة والمبكية والمثيرة للسخرية محضر الاجتماع الذي نشره العراق بعد كسرة خروجه من الكويت مرغما مدعيا فيه لتبرير سياساته وأخطائه القادمة في تلك الحرب ان سفيرة الولايات المتحدة في العراق السيدة جلاسبي لم تحتج عندما ألمح صدام إلى احتمال اجتياحه للكويت في الاجتماع الذي تم بينهما وهذا عين أو من عيون المهازل السياسية فلا يصح لقائد وزعيم سياسي في مستواه أن يحدد موقفا سياسيا وعسكريا خطيرا بناء على ابتسامة صفراء وغامضة من امرأة¿ ومثل هذا الأمر المحزن والمشين يذكرنا أيضا بما قاله عبد الناصر في خطاب تنحيه عن الحكم او محاولة إظهار ذلك في نهاية حرب يونيو 1967م من انه وقياداته العسكرية كانوا ينتظرون العدو الصهيوني من الشرق فجاءهم من الغرب وكان ما كان وحدث ما حدث.
– لا اعرف حقيقة فهم صدام حسين لطبيعة علاقته بالشعب العراقي ومدى الثقة المتبادلة بينه وبين شعبه وهل كان لديه إدراك بحجم الأمانة والمسؤولية التي كانت تقع عليه ويضطلع بها أمام الله وأمام التاريخ¿ وهل كان واعيا ومدركا ان شعب العراق هو أمانة في رقبته لا يجوز له أن يحمله فوق طاقاته وقدراته وانه المسؤول الأول والمحاسب الأول عن وجوب الحفاظ والمحافظة على كرامة وعزة شعبه وعدم القذف به إلى التهلكة والهوان وضياع الكرامة والعزة التي تتميز بها وتعرف بها تاريخيا الشخصية القومية العراقية والإنسان العراقي.