متى كان اليمن آمنا¿
علي بارجاء
أمöن يأúمن والمصدر منه الأمان وآمن يؤúمöن والمصدر منه الإيمان. والمصدران مشتقان من جذر واحد. وهذا يجعلهما مرتبطين في المعنى العام. فإذا كان الرسول الأعظم قد وصف اليمن بأنها بلد الإيمان والحكمة. فهي بلد الأمان والأمان نعمة من نعم الإيمان وإلا فانتشار الخوف وتفشي الحروب ما هما إلا نتيجة للطيش والحمق وهما من الصفات التي انتشرت في العرب قبل الإسلام حتى سميت تلك المرحلة بالجاهلية.
وما يؤكد ارتباط الأمان في اليمن بالإيمان أن الرسول الكريم نسب مع الإيمان الحكمة إلى اليمن والحكمة ميزة من رجاحة العقل وسداد الرأي وتدخلهما في معالجة شؤون الأمة بما يمنع عنها التعادي والتصارع والاقتتال لما في ذلك الإضرار بأمنها وسلامتها وانتشار الخوف والصراع وما ينتج عنهما من تخاصم واقتتال يتنافى مع الإيمان الحق حيث ورد في القرآن والسنة ما يحرمهم القتل تحريما واضحا لا يقبل تأويلا بل إن قتل النفس أعظم عند الله من هدم الكعبة التي هي بيت الله نفسه الذي وضع قواعده سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم كما جاء في حديث الرسول الذي لا ينطق عن الهوى.
إن ما حدث في اليمن في العقود الخمسة الماضية وتعاظم في السنوات الأربع الأخيرة من صراعات وتخويف الآمنين وإقلاق السكينة العامة وقتل الأنفس بغير الحق يتنافى مع الإيمان والحكمة ويجعلنا نتساءل فيما إذا كان حديث الرسول يشمل اليمنيين في العصور المتأخرة أيضا أم أنه يخص اليمنيين في عصره وحسب مع أن كلام الرسول صالح لكل زمان أم أن اليمنيين المتأخرين قد حادوا عن التخلق والتحلي بنقاء الإيمان وبالحكمة التي كانت في أسلافهم وأن كل جيل أهمل ولم يحسن في توريثهما لمن بعده ما أدى إلى ضعف أو فقدان تلكما الصفتين في الأجيال اللاحقة حتى اليوم.
اليوم نرى اليمني يقتل أخاه اليمني بدم بارد لمجرد الاختلاف في الحقوق الدنيوية بل تعدى الأمر أن يقتل بعضهم بعضا لمجرد الاختلاف في الفكر والرأي والمذهب.
لم يعد مبدأ التعايش بين المختلف سمة حاضرة بيننا مع أن الاختلاف في الأمة رحمة وقد كان التعايش هو الأصل السائد في اليمن وفي غيرها من الدول التي تتنوع وتتعدد فيها الأديان والطوائف والآديولوجيات في العصور السالفة فما الذي استجد اليوم حتى برزت على السطح الصراعات بين المختلفين في الدين والمذهب والفكر¿ ومن هو المستفيد من ظهورها ومن تناحر أطرافها¿
لا أظن أن ذلك نابع من طبيعة المجتمع اليمني وثقافته وتربيته التي سار عليها أسلافه ولا شك في أنها دخيلة على اليمن من ثقافات وآيديولوجيات غربية وشرقية حديثة في نشأتها تأترت بها ثلة من اليمنيين وأرادوا نشرها بغض النظر عما فيها مما يخالف ويتعارض مع ما درج عليه اليمنيون في دينهم وثقافتهم في عهود تعايشهم وتآلفهم. واستطاعوا بذلك أن ينشروا الإسلام في الشرق والغرب.
لماذا كثرت بيننا الاختلافات¿ لأننا أصبحنا نتبع فكرا غريبا عن فكرنا وثقافة مختلفة عن ثقافتنا نأخذ ما يصدر إلينا على علاته من غير فرز وتمحيص ثم ندعي أن ما جاء إلينا هو الحق وأن ما كان سائدا في حياتنا هو الباطل حتى أصبح الوافد هو الأصل وصار هو المعيار الذي نزكي به نفوسنا.
نحن اليوم بحاجة إلى إعادة قراءة لواقعنا وبحاجة إلى أن تتبنى الوزارات المعنية خطط جديدة للتوعية والتثقيف والتنوير والتعريف بأصالتنا وتاريخنا الأعرق الذي كان لا يقبل أن يأخذ من الغير إلا ما يتوافق مع ديننا وثقافتنا وتربيتنا ويحافظ على مجتمعنا متعايشا متآلفا آمنا مستقرا.