لا تراهنوا على “هدم المعبد”!
كتب/ المحرر السياسي
من الإيجابي جدا أن تتباين وجهات النظر وتختلف الرؤى بين الفرقاء السياسيين حول الشأن الوطني العام لكن من غير المسؤول ولا الأخلاقي ولا المنطقي أن يقود هذا التباين والاختلاف إلى إحداث شرخ عميق في النسيج الوطني والاجتماعي في الوقت الذي يمكن اتقاء ذلك بمزيد من الإصغاء إلى صوت العقل والمنطق والمسؤولية وتغليب الكفة التي يميل إليها الإجماع الوطني.
وبالنظر إلى ما يعتمل الآن على الساحة الوطنية لابد أن نعترف أن الأوضاع باتت تتصاعد باتجاه منحى خطير لا يمكن أن يستفيد من نتائجه السيئة أي طرف سياسي مهما اعتقد بعلو كعبه أو حاول التسويق لمبرراته في سبيل سعيه إلى تعقيد الأمور ليصل بها إلى اللحظة المجنونة التي لا تعترف إلا بخيار “هدم المعبد” على الجميع.
صحيح أنه لا يمكن إنكار أن قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية كان له آثاره السلبية لكنه بالنسبة للحكومة كان خيار الضرورة كما وصفته وساقت له الدواعي والأسباب غير أنه لا يمكن السماح بتحويل الأمر بالمجمل إلى “مستنقع أزمة” تهدد بنسف ما توصل إليه اليمنيون حتى الآن من توافقات وطنية غير مسبوقة جسدتها وثيقة مؤتمر الحوار الوطني لجهة العبور بالبلاد إلى ضفة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي.
وصحيح أيضا أن الشراكة الوطنية يفترض أن تكون هي البوابة العريضة في مرحلة ما بعد الحوار إذ لا يمكن إلغاء أحد أو إقصاؤه أو تهميشه وبصرف النظر عن موقفنا التقويمي لأداء الحكومة بالإيجاب أو السلب لكنه ليس من المبرر أن تحمل “الانتهازية السياسية ” أي طرف ليدعي أنه هو وحده الأحرص على مصلحة الشعب أو الوصي عليه أو أنه صاحب الحق الحصري في تحديد ما يكون وما لا ينبغي أن يكون ودون أن يعير أي اعتبار لرأي المكونات السياسية الأخرى والقوى الشريكة في المسؤولية عن الوطن ومستقبله.
وربما تكون استراتيجية التصعيد على الأرض وحشد الأنصار وسيلة مناسبة للتعبير عن وجهة نظر ما ولفت الانتباه إليها في مرحلة من المراحل المشروعة لكنها يستحيل أن تكون أداة ناجعة لفرض إرادة أحادية على الشركاء الآخرين في الوطن أو للتأسيس لواقع جديد ليس له أي غطاء توافقي عريض تؤيده كافة مكونات الشعب وفئاته أو على الأقل الأغلبية الغالبة منها.
ويفضي بنا هذا إلى الـتأكيد على حق الأخ عبدالملك الحوثي وجماعة (أنصار الله) في أن يكون لهم تصورهم ورؤيتهم باعتبارهم طرفا كان شريكا بفاعلية في الحوار الوطني إلى جانب شركاء كثر وباعتبارهم جزءا لا يتجزأ من عموم اليمنيين والقوى المعنية بالشراكة المسؤولة والجادة في تنفيذ مخرجات الحوار لكن ليس من حقهم أبدا أن يعتقدوا أنهم وحدهم من يحتكر الحقيقة أو يفرض الحلول والمخارج الوطنية.
لأن كل من يعتقد ذلك أيا كان توجهه وانتماؤه وثقله في الشارع لا يعدو أن يكون إما غير مستوعب لقواعد الفعل السياسي والمرحلة الانتقالية القائمة, وإما أنه يتعمد التصعيد قصدا لجهة مراهنته على تنفيذ أجندة تقع خارج دائرة الإجماع الوطني ولا تعنيها الأطر الناظمة لعملية التحول السياسي التي وافق عليها الجميع.
ومن المؤكد أن الأخ رئيس الجمهورية أثبت خلال تعاطيه مع تطورات الأزمة أنه القائد الوطني المسؤول ورئيس كل اليمنيين دون استثناء بل أثبت يقينا حرصه على وطنه وشعبه من منطلق القوة وليس الضعف إزاء كل عمليات التصعيد والتهديد.
وقد أدى تمنطقه بسيف السلم والحوار ونبذه لسياسات القوة والقهر والغلبة وإنصاته لكل الأطراف إلى توصل الجهود المخلصة إلى المبادرة الوطنية المعلنة التي مثلت القاسم المشترك بين كل القوى والأحزاب فضلا عن أنها وصلت إلى السقف المقبول والمعقول الذي يمكن الركون إليه لتجاوز الأزمة المثارة إن صدقت النوايا وحسنت الظنون.
وفي الأول والأخير لا يمكن أن يكون الكل على خطأ وجماعة(أنصار الله) وحدها على صواب بل أصبح من المنطقي والواجب الأخلاقي والوطني أن تسارع قياداتها إلى المشاركة في تنفيذ بنود المبادرة والمساهمة في تنفيذ استحقاقات المرحلة بموجب مخرجات الحوار, وصولا إلى إنجاز الدستور وإجراء الانتخابات إذ أن ذلك وحده هو الرهان الرابح والآمن دون سواه من الرهانات بما فيها الرهان على المزيد من توتير الأوضاع أو اللجوء للقوة والعنف.