القوى السياسية ووسائل الإعلام .. البعد عن الواقع
محمد العريقي
تنشغل القوى السياسية بتسوية أوضاعها, أكثر من اهتمامها بالقضايا الأساسية التي تهم المجتمع, وبالذات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية, وتركيزها على أمورها السياسية الخاصة, واستخدامها لأسلوب كسر العظم ضد بعضها البعض, انعكس ذلك على أداء الوسائل الإعلامية خاصة بعض المواقع الإلكترونية, والصحافة المستقلة والحزبية, حتى أصبحت هذه الوسائل كل همها متابعة الشأن السياسي الحزبي, غير مكترثة بحياة الناس, وانشغلت بمتابعة ما يحدث من تقارب أو تنافر بين أطراف القوى السياسية, ناهيك عن السباق المحموم الذي تتبعه لتصوير حالات التوتر واختلاق معارك – أكثرها مبالغ فيها أو خيالية – إلى درجة تصويرها للوضع وكأنه سينفجر بين ساعة وأخرى, ولذلك وضعت هذه الوسائل نفسها ميدانا مزروعا بالأشواك والحفر والمطبات تتصارع فيه مختلف القوى السياسية في عراك ليس له أي علاقة بمصلحة البلاد, حتى بات همها ماذا ستقول وماذا ستسجل من مواقف عبر هذه الوسائل, وابتعدت عن تقديم النافع المستمر للمواطن.
وحتى الإجراءات التي اتبعتها الحكومة تحت دواعي الإصلاحات الاقتصادية مؤخرا استغلت فقط للخطاب التصعيدي, دون أن نلمس أي رؤية عملية وعلمية من أي جهة سياسية, تدافع أو تبرر وجهة نظرها في الموافقة أو الاعتراض, وتركت المواقع الإلكترونية تتحدث باسمها, بتخبط وعشوائية, وهكذا استطاعت تلك المواقع والصحف أن تجرد القوى السياسية من رصانتها ومسؤولياتها, وأفقدتها مصداقيتها, وبدت تلك الأحزاب غير متوازنة ومتذبذبة, ومتناقضة بين ما تطرحه وتوافق عليه في الجلسات والنقاشات الرسمية التي على أساسها يطبخ ويصنع القرار السياسي والاقتصادي وبين أقوالها في الخطاب الإعلامي.
فمثلا قيل الكثير والكثير منذ التوقيع على المبادرة الخليجية, وآليتها التنفيذية, وشهد مسار التسوية السياسية العديد من الصعوبات والعراقيل, منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني, وما صاحب ذلك من صفقات حتى تم الاتفاق على التشكيل الحكومي, تبع ذلك التهيئة لمؤتمر الحوار الوطني فمنذ بداية أعماله, مر في الكثير من المنعطفات التي كادت تفشله, وبالأخير تمكن المتحاورون من إنجاز وثيقة الحوار الوطني والتوقيع على مخرجاتها, فقد مرت تلك المحطات بالكثير من الصعوبات, وللأسف لم تقم بعض وسائل الإعلام بدورها الوطني التوفيقي, بل كانت تقدم الصورة المزعجة, واللون المعتم, باستثناء وسائل الإعلام الرسمية التي واكبت الفعاليات بإيجابية, ولو كان يشوبها بعض جوانب القصور.
لقد كان الاختبار الصعب هو البدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني, وكان يفترض أن تتهيأ كل القوى السياسية ووسائل الإعلام لذلك, لكن شهدنا أن الأمور بدت تنحو باتجاه الصراع والعنف بين بعض القوى السياسية, ضاربة بما اتفق عليه في مؤتمر الحوار عرض الحائط, وانشغلت وسائل الإعلام بتلك الصراعات, وتركت المجتمع الذي يشكل 25مليون نسمة بعيدا عن تفسير آماله التي صنعها مؤتمر الحوار, مع أن هناك اليوم أمورا هامة جديرة بالمتابعة وتسليط الأضواء حولها ومنها صياغة الدستور الجديد لليمن الاتحادي, فاللجنة ماضية في أعمالها, دون أن نلمس من القوى السياسية أو وسائلها الإعلامية الأنشطة المناسبة التنويرية المتعلقة بهذا العمل الهام والكبير الذي يحدد مستقبل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد .
وإذا عدنا للحدث الحديث والأبرز وهو قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية, فإن الوضع لا يختلف في طريقة التعامل السياسي والإعلامي مع هذا الموضوع عن القضايا السابقة, وهو التعامل غير المسؤول, واستمروا نفس المكايدات والمزايدات السياسية والإعلامية, مع أنهم يدركون معطيات الحقيقة والواقع, باعتبارهم شركاء في حكومة الوفاق, وقراراتهم تشاركية, ولذلك فإن قرار رفع الدعم تم التوافق عليه, لكن الحديث أمام الرأي العام مختلف اتسم بالرفض, والبعض اصطنع تحريك وتحريض الشارع, ليس حرصا على المواطن العادي, بل سعيا لمكاسب سياسية خالصة, كما هو الحال بشأن ما يتردد عن تعديل حكومي قادم .
لذلك ينبغي على القوى السياسية ووسائل إعلامها إدراك أن التلاعب بالشارع, سيضر بها أولا, وسيهدد مستقبل العملية الديمقراطية ثانيا, وسيزيد من تعقيدات الوضع الاقتصادي, فمهمتها ودورها الحقيقي هو التصرف بمصداقية والمساهمة بحل المشاكل المعقدة, ومكاشفة الشعب بطبيعة مشاكله بكل أمانة ومسؤولية وطنية, وتوجيهه لما يجب عمله لأنها الأقرب بل هي في قلب المشهد السياسي, مطلعة على حقيقة الأوضاع الاقتصادية, والعمل مع الدولة كشريك, دون الحاجة للتضليل أو المكايدات بهدف تحقيق مكاسب سياسية, فالمرحلة تحتاج فعلا إلى اصطفاف وطني حقيقي لتجاوز الصعوبات, وتهيئ