مثقفون من التنوير إلى التدمير

خالد محمد الشامي


هل الثقافة سلوك أم شعار ¿! مبدأ أم تقية ¿! التزام أخلاقي أم خنجر مزخرف للانتقام¿!.
كانت موجات التنوير ثورات إنسانية متلاحقة تستهدف انتشال الإنسان من بؤسه وتخلفه وخرافته لتنقله نحو عالم أسمى يفيض إنسانية ومحبة ويؤسس لحركة تقدم تصنع الازدهار في كل مجالات الحياة.
كان المثقفون هم أدوات التنوير ووقوده وهم قادته وجنوده تفاوتت أدوارهم لكن لم تختلف أهدافهم كثيرا تساقط البعض منهم بينما استمر الكثير في المسيرة حتى اللحظات الأخيرة من حياتهم.
لقد كانت أشد العوائق خطرا هي استخدام الثقافة كغطاء لتجميل أيديولوجيا المثقف واتخاذها معبرا لتمرير أفكاره المشوهة التي يشعر أنها سترفض إن قدمها مكشوفة للجمهور. فإن فشل في كل ذلك لوى عنق الثقافة ليجعل منها سلاحا ضد كل من يخالف أيديولوجياته وقناعاته بل ربما جعل من الثقافة مدخلا للارتزاق والمتاجرة بالمبادئ.
ولأن الزمن يتكرر فإن المواقف تتكرر والأدوار تتكرر أيضا تتكرر في بلدان العام المتقدمة فكيف بالمتخلفة والأشد تخلفا ¿!!
مثقفون وكتاب أبهروا الناس بكتاباتهم وتنظيراتهم وبكائياتهم من بؤس الواقع وحالة التخلف والجهل والعنف التي تغرق فيها مجتمعاتهم منادين برفض هذا الواقع داعين إلى التطلع نحو بناء الدولة المدنية وتحقيق السلام ومطالبين بنشر مبادئ التسامح والمساواة والحرية وإرساء مبادئ الديمقراطية لكنهم حين وقفوا وجها لوجه مع أول امتحان عملي لتنظيراتهم سقط الكثير منهم وانكشف القناع وبطل السحر.
لقد كانوا في مقدمة مسعري الحروب ومبرري سفك الدماء بل والداعين إلى إراقة الكثير منها قربانا لأهوائهم وأحقادهم.
بل لم يبالوا وهم يرتدون على أعقابهم وينقضون شعارات التقدم ومحاربة الجهل وبين عشية وضحاها تجدهم يرتمون في أحضان الدعوات المتخلفة من مذهبية وسلالية وطائفية وبعض هؤلاء صار ناطقا رسميا لهذه الأوبئة وداعيا إليها ومروجا لمشاريعها الهدامة.
وليست الثوابت الوطنية بأحسن حال عند هذا الصنف من المثقفين بل صارت هدفا يرمى وسلعة قابلة للبيع والشراء فالرجعية والكهنوت والإمامة لم تعد بذلك السوء الذي سمعناه من آبائنا وتعلمناه في مناهجنا بل صارت تلك الحقب المظلمة عصور ازدهار وإشراق وإنجازات حضارية أغفلها الحاقدون على تلك العصور. لنكتشف أن حركات التحرر والثورات المتوالية التي شهدتها بلادنا لم تكن سوى انقلابات وتمردات لعناصر مأجورة وحاقدة ينبغي أن نعيد النظر فيما نقل إلينا من أمجادها وبطولاتها.
الوحدة اليمنية أيضا لم تسلم من سموم أدعياء الثقافة فقد وجد بين صفوف المنتسبين إلى الثقافة من يرى في الوحدة اتفاقا مرحليا انتهى أمده وينبغي التخلص من قيوده والتحرر من التزاماته وآخرون قد لا يسلكون طريق المغالاة هذه لكنهم يسيرون في ذات الدرب والمسلك ليصلوا إلى الهدف نفسه إنهم يحملون الوحدة كل الأخطاء وكل الانحرافات التي اقترفها الساسة ويرونها سبب كل بلاء وعبث وفساد استشرى في مفاصل الدولة ومؤسساتها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الأسباب ونتائجها وأخطاء الساسة وجرائرهم في حق وطنهم.
هذا واقع ملموس ومعاش قد يبعث على الإحباط واليأس والقلق مما سيحمله إلينا المستقبل من أدران البعض وحماقاتهم لكن الأمل سيظل قائما والمستقبل المشرق منتظرا لأننا في مقابل هؤلاء نجد من يحمل الثقافة بمعناها الحقيقي ويفهم رسالته ودوره لا يعرف انتقاما ولاحزبا ولا مشروعا غير المشروع الأسمى: الوطن ولا يسعى إلى هدف غير رفعة وطنه والحفاظ على ثوابته ومحاربة الظلم والجهل والتصدي لكل المشاريع الهدامة مهما كان مصدرها داخليا أم خارجيا مستمر في نشر رسالة الثقافة الحقيقية والحب والسلام والإخاء بين أبناء شعبه غير مبال بمن يتساقط حوله من رفاق حملوا معه الفكرة ذات يوم وأسسوا معه دعائم التنوير ثم ارتدوا ذات سقوط وفي أيديهم معاول التدمير.

قد يعجبك ايضا