من أطفأ جذوة رمضان¿!
عبدالله حمود الفقيه
قارورة مثقوبة الغطاء وذبالة والقليل من (القاز) بهذه الأدوات البسيطة كنا نجهز فوانيس افتراضية -نطلق عليها تنك في منطقتنا النائية في وصاب- نستقبل بها شهر رمضانننافس بها مصابيح السماء ونشعر أن العتمة تتوارى عن عين الليل فيمتلئ بالبهجة وهو يتأمل وجوهنا المغمورة بالفرح وضحكاتنا الطفولية تبعث الحياة في كل شيء تصدح الكائنات معنا بالأناشيد والأغاني تطوف حولنا النجوم تنثر ابتساماتها علينا وتشاركنا ألعابنا التي يهبها رمضان طعما مختلفا لا يتكرر.
ننتظر رمضان لكي نتحلق حول الجدات وهن يطلقن العنان لخيالاتنا بحكاياهن التي لا تنتهي ننصت باهتمام نتجسد الأبطال وننفعل معهم نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. يا الله ما كان أمهر الجدات في الحكي وأقدرهن على جذب اهتمامنا وإذكاء حواسنا والسفر بنا إلى أقصى حدود الخيال.
في الريف كان لليل في رمضان نكهته الخاصة روحانيته فرائحياته طرائقه الخاصة في بث روح الجمال والحب والسعادة فتملك الكائنات أجنحة نورانية تمكنها من التحليق لتصل إلى السماء التي تقترب كثيرا من الأرض حد التماهي.
وكما غزا الإسفلت المدينة وغلفها ببرودته وقسوته هاهو يزحف إلى الريف فيكاد يجتث تلك الروحانية وذلك الجو الفرائحي الجميل الذي كان يكسو كل شيء ويقصقص أجنحة الروح الريفية ويصيبها بالجمود ويباعد بين السماء والأرض.
الجميع يتسمر أمام شاشات التلفاز يتنقلون من قناة إلى قناة ومن مسلسل إلى مسلسل حتى مطلع الفجر ولا مجال لإذكاء المصابيح وملاقاة الليل بتلك اللهفة وذلك الحنين فأصبح الليل وحيدا وحزينا يغرق في عتمته يصيبه الصراخ القادم من التلفاز بالصداع وعبثا يحاول سد أذنيه.
أسكت هدير الفضائيات همس الجدات وأطفأت المسلسلات جذوة الخيال التي كن يشعلنها وحل الجدب محل الخصب وفقد رمضان نكهته وحلاوته.