اضطرابات الهضم في رمضان.. منغصات تنهك الصحة!
للصيام فوائد عظيمة ترتقي بها النفس وتسمو وتأنس لها روح المقبيلين على خالقهم المبتغين رحمته ونيل عفوه ومرضاته..
وما كان ليختص الله هذه الأمة بصيام الشهر الكريم حتى يمنع عن عباده الطيبات من المآكل والمشارب عبثا طوال النهار من كل يوم وإنما لحكمة عظيمة أودعها وفوائد واسعة لو فقهها الناس وسعوا إلى نيلها واستثمروا الشهر المبارك في الصحة لكان خيرا لهم وتمنوا العام كله رمضان.
الدكتور/أحمد يحيى الصعفاني – استشاري أمراض الباطنية والجهاز الهضمي يضعنا على أبعاد المشكلة وما يترتب على الإسراف في الطعام والشراب من تخمة تتداعى في هذا الشهر الكريم إلى أضرار سيئة على الصحة مبرزا في ذات الإطار أجل الفوائد الصحية والإرشادات حيث قال:
شكاوى نسمعها كثيرا.. البعض يصف آلامها ومساؤها- أحيانا- بأنها لا تطاق..
وما ذاك في شهر الصيام – على الأرجح – إلا لزيادة تناول كميات كبيرة من الأطعمة والمشروبات عند الإفطار أو مع العشاء أو حتى عند السحور وإقبال من لا هم له – إن جاز التعبير- سوى إشباع بطنه الخاوية وإتخامها بخليط من الأغذية دون اكتراث للعواقب والمآل..
على الصائم ألا يتعدى الحد المسموح به من الطعام والشراب فإن كان لابد فثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك أو كما قال نبي الرحمة المهداة(صلوات الله وسلامه عليه) حاثا على الاعتدال في تناول الطعام والشراب وروي عنه(صل الله عليه وسلم ) أنه قال: ” أصل كل داء البردة ” والمقصود بالبردة: التخمة.
أو كما قيل في المثل: “لا تتعب معدتك فتتعبك “.
هذه الحكمة يجب أن تبقى حاضرة غير مغيبة لدى كل صائم عند تناوله إفطاره وعند جلوسه على مائدة العشاء الرمضاني وما يليه ليلا حتى السحور قبيل الفجر ليحافظ على صحته ولا يجد ما يعيقه من منغصات عن أداء صلاة العشاء والتراويح على الوجه الذي يرضي خالقه.
كل ما يحتاج إليه جسم الإنسان من غذاء لا يزيد -عموما- على جرام واحد لكل كيلوا جرام من وزنه في اليوم أي ما يعادل في المتوسط (70)غراما من البروتينات ومقادير قليلة من المعادن والأملاح والفيتامينات توجد مجتمعة في طبق صغير من السلطة وكمية معقولة من النشويات والدهون.
فالتغذية بمفهومها الواسع تشمل سلسلة من العمليات التي يستطيع الجسم بواسطتها امتصاص وتمثيل الغذاء ليحفز النمو ويستهلك الطاقة ويعوض الأنسجة ويمنع الأمراض وفي الوسط العلمي يسميها البعض(كيمياء الحياة) ونيل هذه الفوائد الغذائية والصحية لا يكون بالتخمة وحشو المعدة بل بالوسطية مما يفرض على الصائم مواصلة تحكمه في نفسه وصبره على الملذات بتنظيم تناوله للغذاء في الإفطار وخلال وجبتي العشاء والسحور وما بينهما عملا بقول المصطفى(صلوات الله وسلامه عليه): ” ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن, بحسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه, فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس”(رواه الترمذي) .
الأمر الذي غاب عن الكثير من الصائمين فنجدهم- بالمقابل- يعانون من مشاكل في الهضم ومن آلام البطن وانتفاخها عقب وجبة العشاء في رمضان وظهور هذه المنغصات ليس بعد انقضاء ليال وأيام أو أسابيع من الشهر الكريم بل منذ الليلة الثانية أو الثالثة على الأرجح وكهذا تمتد المعاناة وتستمر مع استمرار إتخام البطن في كل ليلية من لياليه الحالمة..
قطعا لا تحتمل المعدة وما يليها من قناة هضمية هذا التكديس والحشو حيث تواجه تغيرا وتبدلا في النظام الغذائي ومواعيد الأكل والراحة على نحو يغاير ما اعتادت عليه قبل رمضان بينما تكون مجبرة على الركود والسكون أثناء الصيام نهارا خاوية- على غير العادة- لمدة تزيد على(14)ساعة يوميا كما تقل إفرازاتها وعصاراتها الهاضمة.
ولöما يتúبع الصيام من شعور بالجوع والعطش تلöح على الصائم رغبة في التهام أكبر قدر من الغذاء والماء, فينصب اهتمامه على الإفطار ووجبة العشاء وعلى تنويع أصناف وألوان الطعام والشراب.. من مقليات ودهون وحوامض وأطعمة غنية بالتوابل والبهارات وعلى مضض يرتقب لحظة فرج تتجلى عقب غروب الشمس مع سماعه آذان المغرب من المساجد وبلا هوادة أو صبر ينكب على أكل ما يجده أمامه دونما مضغ جيد أو حتى بدون مضغ وكأنما لا يجد وقتا يسعفه ليأكل بروية وتأني وإذا غص بلقمة دفعها بكوب أو بأكواب من الماء أو العصير البارد!
فتمتلئ المعدة بخليط غير متجانس من الأطعمة والمشروبات ومعهما كميات من الهواء يتم ابتلاعها مع الغذاء .
وبهذا الحشو المفاجأ تتضرر المعدة وتكون عاجزة غير قادرة على أداء وظيفتها فتتوسع جدرانها وتتمدد وتزيد إفرازاتها الحامضة وعصاراتها الهاضمة في محاولة للتغلب على هذا العجز.
ومن هنا تبدأ المعاناة لكنها من نوع آخر إذ يشعر المتخم بأوجاع في بطنه ربما تفوق احتماله فتتعالى صرخاته من فرط الألم