في الطريق إلى الدولة اليمنية..

عبدالله دوبلة


هناك تفسيرات عدة لمفهوم الدولة بين كونها مسألة أخلاقية أو قانونية أو حاجة للأمن وتنظيم رعاية النشاط الإنتاجي للمجتمعات من وجهة نظري أجد كل تلك التفسيرات صحيحة حسب طبيعة المجتمع الذي تنشأ فيه الدولة.
فهي أخلاقية في تفسير اليونانيين القدامى لتطلع فلاسفتهم للمدينة الفاضلة وهي قانونية عند الرومان لتطلعاتهم الاستعمارية التي احتاجت إلى القانون أكثر من حاجتها إلى الأخلاق وهي نتيجة طبيعية لحاجة النشاط الإنتاجي الزراعي للتنظيم والرعاية في الدول النهرية القديمة ذات النشاط الفائض في الزراعة كمصر وبلاد الرافدين وهي حاجة أمنية في المجتمعات شحيحة الموارد لتفادى الصراع عليها كما أن الحاجة إلى الأمن هي المشترك في كل التفسيرات السابقة كما هي في تفسير الدولة الدينية التي تنشأ نتيجة لحاجة المؤمنين للعيش في كنف رعاية الرب وأخلاقه وقوانينه والتي تنظم أيضا اقتصادهم كما أنها أداة فعالة في تصدير الدين القويم إلى الضالين من الأمم الأخرى.
لكن. قد يقول أحدكم وما علاقة هذه المقدمة في تفسير مفهوم الدولة بالحديث عن الدولة اليمنية الراهنة والحديث عن الحاجة لتفسير مفهومها ووظيفتها والذي قد يبدو للوهلة الأولى للأغلبية الساحقة أمرا محسوما نتيجة الإحساس بوجودها إلا مما تطرحه النخب السياسية والثقافية عن مشاكل الاستبداد والفساد والتوزيع العادل للسلطة والثروة كعمق لأزمة الدولة اليمنية الحديثة فيما هناك ما هو أعمق بكثير ويحتاج للإجابة عنه قبل الإجابة عن مسائل الاستبداد والفساد وتوزيع الثروة والذي هو تفسير وتعريف مفهوم الدولة التي نريد و الغرض منها وما هي وظائفها أيضا.
تعاني الدولة اليمنية الحديثة الكثير من المشاكل وفي البدء كانا الاستعمار والحكم الإمامي ليجد اليمنيون في الاستقلال والنظام الجمهوري الحل لبعض الوقت كما وجدوا في توحيد الدولتين في الشمال والجنوب حلا لتلك المشاكل التي وجدوها بعد الاستقلال والجمهورية لتجد الدولة اليمنية الوليدة بعد الوحدة نفسها في مشاكل أخرى تمثلت في شعور الجنوبيين بالإقصاء بعد حرب صيف 94 وشعور كل اليمنيين بالاستبداد والفساد والتوزيع المختل للثروة والسلطة اللتان استأثرت بهما فئة قليلة من الناس مرتبطة بالنظام السابق ليجد اليمنيون أنفسهم بعد ثورة الربيع 2011م بعد الإطاحة به في مشاكل أكثر خطرا والتي كانوا قد ورثوها عن كل المراحل السابقة أبرزها نزوع الجنوبيين نحو الانفصال والتهديدات الأمنية لتنظيم القاعدة والتوسعات العسكرية لجماعة الحوثي وفوق ذلك الانقسام الحاد في مؤسسات الدولة نتيجة الأزمة في 2011م ليكون كل ذلك خطرا يهدد وجود الدولة ذاته..
في الحوار الوطني الذي جرى في 2013م انغمست نخبة من السياسيين والنشطاء المدنيين في البحث عن حلول ليخرجوا بمسودة دستور جديد يعيد توزيع البلاد إلى ستة أقاليم لمعالجة التطلعات والمطالب المحلية ويقدم بعض الإصلاحات في النظام السياسي والانتخابي أبقى على النظام الرئاسي مع النص على صلاحيات واضحة بين الرئيس والحكومة والبرلمان والأقاليم وأستبدل نظام القائمة النسبية محل القائمة الفردية.. إلا أن الكثير يشككون من جدوى هذه الإجراءات في تقديم الحلول الجذرية للأزمة اليمنية الراهنة الأكثر تفاؤلا يقرون بالحاجة للكثير من الوقت حتى تصلح الأمور إلا أن آخرين يعتقدون أن المخاطر الراهنة والتي أضيف إليها العجز في الموازنة العامة للدولة نتيجة التفجيرات المتكررة لأنابيب النفط المصدر الرئيس للموارد إنها لن تنتظر حتى ذلك الوقت ومع هؤلاء بعض الحق فالتحديات الراهنة خطيرة بالفعل في ظل حكومة تشاركية عاجزة عن تقديم الحلول العاجلة.
سيكون اليمن محظوظا بالفعل إن خرجت من المرحلة الانتقالية الراهنة محتفظا بوجوده كدولة موحدة ومتماسكة على الأقل وربما يتكفل الإصلاح السياسي في الدستور الجديد بوضعه على الطريق الصحيح للتحول الديمقراطي كما أن مسألة الأقاليم قد تساعد مع الوقت في امتصاص غضب وتطلعات المجتمعات المحلية..
لكن. هل هناك تنتهي أزمة الدولة اليمنية¿!. في ظني هي تبدأ هناك بالانكشاف على حقيقة خطيرة غفل عنها الجميع بتركيزهم على مسائل الاستبداد والفساد والتوزيع المختل للثروة والسلطة والتي هي التحولات الكبيرة والجوهرية في نمط الإنتاج والاستهلاك و ملكية الأراضي في المائة السنة الأخيرة في بلد هو شحيح الموارد في الأساس. والتي شهدت تحولات قاسية على المجتمعات المحلية أوصلتها حد الفقر والبطالة بعيدا عن تنظيم الدولة بل وعن وعيها أيضا وفي بعض الأحيان بفعل ممارساتها الخاطئة والمرتجلة..
فالوقوف على طريق التحول الديمقراطي ودولة القانون لحل معضلة السياسية وتمكن الدولة من احتكار العنف لمواجهة مخاطر الجماعات المسلحة على أهمية ذلك هو لن يجيب بسهولة عن سؤال كيف يمكن توفير موارد الرزق الكافية لتلك المجتمعات المحل

قد يعجبك ايضا