تحية للقوميين الناصريين
عبدالله علي صبري

مقال

في خضم الأحداث المتأزمة بالبلاد تجاسر الناصريون وعقدوا مؤتمرا عاما للحزب في تظاهرة مدنية ديمقراطية توجت بتجديد في المستوى القيادي للحزب وبضخ طاقات شبابية ونسوية في الجسد المتجدد للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري الذي يقدم تجربة متقدمة في إطار الديمقراطية الداخلية للحزب مقارنة ببقية التنظيمات السياسية التي تكلست عند شخصيات بعينها بينما المفترض أن الأحزاب جميعها ولادة بالقدرات القيادية بل أن تنشئة وتنمية القيادات سياسيا تعد من أهم الوظائف التي تضطلع بها الأحزاب السياسية دونا عن بقية منظمات وهيئات المجتمع المدنية أو غير الحكومية.
لكن بعيدا عن التجديد داخل الحزب نقول إن انعقاد المؤتمر يأتي في ظل ظروف عربية محبطة تستوجب الحنين لزمن القومية العربية والتجربة الناصرية التي كانت عنوانا لكرامة وعزة الأمة العربية بغض النظر عن الوضع الديمقراطي وحالة الحريات آنذاك.
ولعلي وآخرين ممن التحقوا بخيار “الإسلام السياسي” على الضد من الخيار القومي نكتشف اليوم أن الدائرة القومية التي كنا نراها أضيق من الدائرة الإسلامية غدت على أرض الواقع اليوم أشمل بكثير خاصة مع رياح الطائفية المذهبية من حولنا والتي جعلت الإسلاميين منقسمين بين سنة وشيعة بينما القومية كانت وما زالت إطارا عابرا للحدود المذهبية والطائفية حيث العروبة هي شرط الانتماء بغض النظر عن دين المرء أو عقيدته.
ثمة خطأ آخر سيطر على بعضنا حين توهمنا أن الانتماء إلى القومية هو انتماء إلى “التراب” و”الجغرافيا” فحسب وتناسينا أن العروبة دائرة حضارية وتاريخية وأن مستقبل الأمة العربية هو في توحدها كدولة قومية على غرار الدول الحديثة.
ولا أدري لماذا يعتقد البعض أن الخيار القومي سيكون على حساب الخيار الإسلامي بالضرورة مع أن المسلم الإيراني معتز بإسلامه وفارسيته في آن وكذلك المسلم التركي والماليزي…إلخ.
يمكن للإسلامي العربي أيضا أن يعتز بقوميته العروبية ويعمل في سبيل قيام الدولة العربية الواحدة وليس ذلك من ضرب الخيال أو المستحيل فقد توحدت أوروبا مثلا برغم التناقضات التي تحملها شعوبها بينما الشعوب العربية تحمل من المقومات ما يجعل وحدتها أقرب إلى التوحد من أي كيان قومي آخر.
صحيح أن الأوضاع الحالية للدول العربية لا تشجع على حديث من هذا النوع بيد أن تخلفنا وتقزمنا أمام شعوب المنطقة والعالم يفرض علينا اجتراح الخيار الصعب عله يكون المنفذ والمنقذ.
ثم أنه بنظرة إلى الموقع الاستراتيجي للدول العربية سنكتشف أن دولة واحدة تقوم في هذا المكان ستكون أقوى من كل الدول الإقليمية المحيطة بها وبل وقد تنافس الدول الكبرى والمهيمنة في عالمنا ولعل في الخوف من نشوء دولة كهذه تفسير للمؤامرات المحاكة داخليا وخارجيا بحق حلم الوحدة العربية!
