مجرد عرقلة أم استماتة في إيقاف كل شيء¿!

فتحي الشرماني


أتذكر أنني نشرت في هذه الصحيفة الغراء مقالا قبل بضعة أشهر كان عنوانه إن لم تخن الذاكرة: (المرحلة على قدر كبير من الوضوح), انطلقت فيه من جملة معطيات سياسية وتطورات في مشهد ما بعد التوقيع على المبادرة الخليجية جعلتني أؤكد أن اليمنيين بين أيديهم برنامج واضح للانتقال, وهناك قوى ممانعة لتحقيق أي تقدم, وتعمل على اتخاذ شتى الوسائل التخريبية من أجل إجهاض مسيرة التغيير التي يقودها الرئيس هادي وفقا لصيغة التسوية السياسية التي ارتضت بها الأطراف السياسية في 2011م مخرجا مشهودا ينقذ الوطن من الانزلاق إلى المجهول.
حين قلت ذلك, كانت القوى السياسية لا تزال تعيش حوارا وطنيا شاملا, ولكن حدث بعدها من التحول ما رأى فيه البعض غموضا, فما كاد مؤتمر الحوار ينتهي حتى نهضت أطراف مشاركة في الحوار لتوجد لغة أخرى للحديث, هي لغة السلاح, ومن العجيب أنها ظلت تراوغ الجميع للقبول بسلوكياتها المزدوجة (إصبع على الورق, وأخرى على الزناد), وهذا الموقف في حقيقة الأمر لم يكن سببا في إضفاء صفة الغموض على المرحلة, وإنما كان سيرا بالوطن نحو مزيد من الوضوح لأن الشعب اليمني بدأ آنذاك يعيش اللحظات الأولى لولادة القوى التي ستشهر سلاحها في وجه المستقبل وستخوض فصلا جديدا من استعداء الشعب اليمني.
ثم مضت الأيام وظلت هذه القوى الارتدادية تتعمق في نهج الإفساد والتخريب وافتعال الحروب, ودفع الوطن ثمنا باهظا لما تقوم به هذه القوى من مغامرات, فبالحرب خسرنا كثيرا من الأرواح ونهضت نزعات طائفية لم يعرفها اليمنيون من قبل, وبالتخريب المتواصل ازددنا توغلا في الانهيار الاقتصادي, وبهذا وذاك توسعت رقعة الانفلات الأمني, فضعف أداء الحكومة, فازدادت الأطماع, فزادت المؤامرات, فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من مخاطر, ولكن زاد معها الوضوح بمن هو صديق لهذا الوطن ومن هو عدو له.
اليوم هذه القوى تظهر على أوضح صورة تجعل المرحلة واضحة وضوح النهار لكل ذي عينين, فهذه القوى تؤكد لنا سلوكياتها اليوم أنها لا تعادي غير وطن يريد أن يعيش بسلام وأمن واستقرار, وتؤكد لنا أنها تريد أن تقطع الطريق على تحقيق أي تقدم سياسي باتجاه الدولة المدنية الحديثة.
إنها لا تتورع اليوم عن فتح الجبهات وإشعال الحروب وفرض الحصار وغزو المديريات وكأننا بلد لم يفتحه الإسلام في عصر النبوة, ولم يدخل أهله أفواجا في هذا الدين بمحض إرادتهم, بل ولم يرسل إليهم النبي الكريم رسلا لتبصيرهم بأمور دينهم مثل وبر بن يحنس وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وغيرهم.
قلنا في أكثر من مرة: إن الحوار هو الأداة المثلى لحل أي خلاف, ولكن ثمة من تغريه الحرب حين تكشف له عن ساقها, غير مدرك أن هذا هو طبع الحرب وأسلوب غوايتها, فما إن توقعك في حبها حتى تنقلب عجوزا شمطاء مكروهة للشم والتقبيل كما جاء على لسان الشاعر اليمني المخضرم عمرو بن معدي كرب الزبيدي.
ولنا أن نتساءل: هل ما يحدث اليوم يعد مجرد عرقلة في وجه الانتقال السياسي وتعافي الوطن, أم أنها أفعال تتجاوز حدود العرقلة إلى التصدي المستميت والرغبة في إيقاف كل خطوة يريد اليمنيون أن يخطوها باتجاه المستقبل¿
إذن ينبغي إعادة النظر في ما تستخدمه التقارير والقرارات الأممية من مصطلحات تتعلق بقضية اليمن والمرحلة الانتقالية والقوى التي تقف ضد الإرادة الشعبية في تحقيق النجاح, فالمعروف أن مصطلح (العرقلة) يعني التصعيب والتشويش, كما توضحه المعاجم, ولكن ما يحدث اليوم يبدو أكثر من مجرد عرقلة, إنه مخطط لإعادة الوطن إلى نقطة الصفر, وهو ما يستدعي من رعاة المبادرة الخليجية ومجلس الأمن اتخاذ قرارات حازمة تقف إلى جانب اليمنيين أمام هذه المؤامرة السافرة التي يعرف مقاصدها القاصي والداني.
لم يرتكب عبدربه منصور هادي أي جرم غير أنه تحمل مسؤولية إخراج اليمن من منزلق خطير في ظروف يتوارى فيها الأبطال, ولا يزال اليوم يقود المرحلة بعناية وحرص على أن يشارك جميع اليمنيين في تحقيق النجاح المنشود, بعد أن شرع في رسم طريق واضح للمستقبل من خلال البدء بهيكلة الجيش, مرورا بإقامة مؤتمر الحوار الوطني ومشاركة الجميع فيه, وانتهاء بتشكيل لجنة لإعداد دستور توافقي للبلاد.
فلماذا إذن تتجمع قوى التخريب والإفساد إلى جانب قوى الإرهاب لإفشاله¿ ليس هذا إلا لأن اليمنيين أجمعوا على هذا الرجل واختاروه حارسا أمينا لمستقبلهم, وهو اليوم يمضي في هذا الطريق بثبات وعزم على تحقيق الأهداف مهما كانت التحديات.
أنا على تمام الثقة بأن رجلا عصاميا ومجربا ومدربا وصلبا وصبورا بحجم عبدربه منصور هادي لم ولن يفشل, وقد حقق قدرا من النجاح وهو اليوم يواصل طريقه إلى تحقيق المزيد, ولله الأمر من قبل ومن بعد.

قد يعجبك ايضا