وليمة “الامتحانات” في زمن “الوتس أب”..!!
فتحي الشرماني

لم أسأل طالب الثانوية بعد عودته من أول يوم في امتحانات الشهادتين عن سهولة الامتحان أو صعوبته, وإنما حضر في ذهني أن أسأله: كيف سارت أجواء الامتحانات في يومها الأول¿ فأجاب بما استوحيت منه القناعة بذكاء وزارة التربية والتعليم ممثلة بالإدارة العامة للامتحانات وإفشال بني جلدة هذه الوزارة لها داخل قاعة الامتحان مثلما يفشلها بعضهم داخل القاعة نفسها أيام الدراسة.
تصوروا أن يأتي الامتحان بستة نماذج مختلفة في القاعة الواحدة, بحيث يكون النموذج الذي بين يدي الطالب مختلفا عن نموذج الطالب الذي بجانبه, ويتوزع المراقبون على اللجان, وإلى جانبهم رجال الأمن لتأمين سير العملية بهدوء ونظام وأمان, ومع ذلك يأتي رئيس المركز الامتحاني أو بعض مساعديه لقلب الطاولة على هذه الإجراءات بممارسات يتعمدون فيها إفشال هذه العملية التقويمية بدون رادع من ضمير أو خوف من عقاب.
قال ذلك الطالب الذي يمتحن في وسط المدينة: إن رئيس اللجنة الامتحانية بكر إلى عمله منتفخة وجنته بالقات بوصف هذا السلوك دليلا على النشوة وكامل الجاهزية, وما إن مضى زمن من الفترة الأولى حتى دخل إلى القاعة يطلب من الطلاب الممتحنين أن يدفع كل واحد منهم 500 ريال خففها إلى 200 يجمعوها إلى المراقب لتيسير أمورهم.
ثم قال ذلك الطالب: إن أجواء التشديد والحزم ظلت سائدة, وحذق الوزارة في وضع الامتحان جعل الغش أمرا صعبا, وإن وجد فليس بذلك الأسلوب الذي يندى له جبين المروءة والأخلاق والأمانة ومستقبل الوطن, ولكن يظل الشاهد من هذا الموقف التربوي إصرار مسؤولي المراكز الامتحانية– إلا من رحم ربك – على الارتزاق من هذه العملية التي يجعلونها ومثلهم بعض العاطلين بمثابة وليمة يجري التسابق على صحونها, ولو أنك عاتبتهم ولمتهم فسيسوغون هذا الفعل المشين بأن هذا واقع معيش ومن الصعب أن تكون استثناء عن غيرك في هذه القضية, إلى غير ذلك من الأعذار التي تجعلهم يستمرئون طعن العملية التعليمية في أهم موقف, وهو الموقف التقويمي الذي ينبغي أن تطلعنا نتائجه على مخرجات صحيحة تتناسب مع المدخلات, لا أن تأتينا نتائج تجد فيها الطلاب المهملون يحققون علامات مرتفعة قد تصل إلى 90%.
وفي مشهد امتحانات اليوم تحضر قضية التكنولوجيا ومحاولات استغلالها في عملية الغش, فنحن اليوم في زمن التلفونات الذكية وما فيها من كاميرات بدقة عالية وتطبيقات (الوتس أب) والرسائل الصوتية والكتابية التي يمكن نشرها في إطار المجموعة, ولهذا فالطلاب اليوم يجري منعهم من دخول قاعات الامتحان بالتلفونات, ولكن تحدث عملية تسريب لهذه التلفونات من أسوار المركز الامتحاني مادام الطلاب قد دفعوا ثمن ذلك, وحين يحدث ذلك يتأكد أن الامتحانات في هذا الزمن ليست أكثر من نزهة لطلاب تجمعهم صداقة الفيسبوك والتويتر والواتس أب أكثر مما يجمعهم الكتاب المدرسي وقاعة الدراسة وأنشطة المدرسة.
المهم أن الأسلوب الحالي لتقييم مستوى التحصيل في الشهادتين الأساسية والثانوية يحاصر اليوم بجملة من العوامل كالفساد الإداري وغياب الوعي المجتمعي وحضور التكنولوجيا الشخصية وغير ذلك من العوامل التي تتضافر لإفشال عملية الامتحانات وجعلها إجراء روتينيا لتوزيع عشوائي للدرجات على كل من حضر الامتحان بنسب متفاوتة.
ولهذا نقول: إن من أبرز متطلبات نهوض التعليم البحث عن أسلوب مغاير لهذا الأسلوب التقييمي, فالمفتشون في إمكانات التكنولوجيا وخبرات الدول المتقدمة في ذلك لن يعدموا أسلوبا متطورا لامتحانات نصل بها إلى نتائج صحيحة, وهو الأسلوب الذي سيضع الطالب أمام ضرورة تهيئة نفسه لتحقيق النجاح والتفوق, بدلا من الارتهان إلى الغش والمقابل المالي الذي يدفعه لضعفاء النفوس ورواد ولائم الامتحانات.