التأويل عطاء لوجودنا وإثراء لماضينا وحاضرنا
عرض/ خليل المعلمي

كرس الدكتور مصطفى ناصف جهده على مدى نصف قرن تقريبا للنقد الأدبي الحديث والتراث الأدبي والنقدي والبلاغي.. وقد قدم مجموعة كبيرة من الدراسات النقدية النظرية والتطبيقية ساهمت في تأسيس اتجاه عربي حديث يستلهم تراثنا وينفتح على التيارات العالمية الحديثة في آن واحد.
وللدكتور مصطفى ناصف كتب عديدة منها: نظرية المعنى في النقد العربي ودراسة الأدب العربي والصورة الأدبية ونظرية التأويل والنقد العربي نحو نظرية ثانية واللغة بين البلاغة والأسلوبية وخصام مع النقاد وطه حسين والتراث وصوت الشاعر القديم والوجه الغائب واللغة والبلاغة والميلاد الجديد واللغة والتفسير والتواصل.
ويأتي كتابه “نظرية التأويل” الصادر عن “النادي الأدبي بجدة” إحياء لثقافتنا العربية عن طريق التأويل حيث عرفت الثقافة العربية العناية بنظام التأويل منذ وقت مبكر عنيت بالنص الأكبر وأخذت نفسها بتأويله على الدوام ويؤكد أن التأويل سبيل إلى التوافق مع وقائع الحياة المتغيرة.. وهو كذلك عطاء لوجودنا وإثراء لماضينا وحاضرنا ولا سبيل لخدمة الشخصية العربية إلا بالتأويل فالتأويل هو المعنى الغائم المستور الذي نحلم به ونشتاق إليه.
كما يأتي إسهاما منه في توضيح بعض معالم التأويل المتغيرة في العصر الحديث ويحرص أيضا على تقديم الانطباع الذي تركته قراءة الأعلام الذين تركوا آثارا باقية في التأويل ونظريته.
دائرة البحث ومناهجه
يشير المؤلف إلى أن هناك دعوات معاصرة إلى التأويل ومكانته الأساسية في أنظمة الدراسات الإنسانية الثلاثة اللاهوت والفلسفة والتفسير الأدبي ويظهر أنه يلقى رواجا متزايدا في هذه الأيام وهكذا يكون السؤال عن ماهية التأويل مهما لأنه يتصل بالمبادئ المنهجية اللازمة لشرح النصوص وبخاصة النصوص المقدسة ولكن هذه المبادئ لا تكفي وحدها التأويل يمكن أن ينظر إليه على أنه نظام عام تحتاج إليه قراءة النصوص كما يحتاج إليه كل نظر في عملية التفهم ذاتها.
ويضيف: ولكن كلمة التأويل رغم أهميتها لا تخلو من استعمال فضفاض ولذلك مست الحاجة إلى معالجة المشكلات التي ينطوي عليها تعريف المصطلح والتعريف المفصل بجهود المفكرين الكبار الذين اهتموا بالتأويل والحقيقة أن فلسفة التأويل العامة ضرورية –كما نبهنا- لمعالجة الخلل في تناول النصوص الأدبية التي تعني كثيرين.. مشيرا أن الفلسفة الألمانية في التأويل جديرة بالتنبيه لما لها من شأن في توضيح هذا الجانب بطريقة مثمرة.
ويقول: نلاحظ أن العالم يسمى تحليل المعطيات تفسيرا وأن الناقد يسمى فحص العمل تفسيرا وأن المترجم قد يسمى مفسرا وأن المعلق على الأنباء يؤول الأحداث أنت تؤول ملاحظة صديق وتؤول رسالة من بيتك وتؤول علامة في الشارع ومنذ تستيقظ في الصباح حتى نستغرق في النوم نقوم بعمليات تأويل مستمرة أنت تذكر اسم اليوم وتتفكر في مكانك من الدنيا وخططك من أجل المستقبل وأنت تنهض وأنت تؤول الكلمات والإيماءات التأويل إذن هو أهم عملية من عمليات التفكير والحقيقة أن الحياة نفسها هي عملية مستمرة من التأويل.
وينوه إلى أن كل نص مقدس يراعى فيه قراءة الجهر لا قراءة العين ومن المستحسن أن نذكر أن القراءة السريعة الصامتة ظاهرة حديثة في تاريخ البشرية وفي هذا العصر السريع تصبح القراءة السريعة مزية ونغفل نطق الشباب والشيوخ والأطفال ونهدر طاقة نفسية رائعة إن إهدار القراءة الجهرية إهدار لمعنى الرسالة أو البلاغ أو البطولة أو الخطاب الحي البريء لقد دأبنا بفعل إهمال القراءة الجهرية على أن نعامل كل شيء معاملة الإخبار وأصبحت فكرة احتمال الصدق والكذب فكرة مرهقة لأننا لا نقرأ ولا نسمع بآذاننا لقد بدأنا نفقد أنفسنا ونفقد الآخرين.
واستعرض المؤلف أشهر من تحدثوا عن التأويل وساهموا في نمو النظرية التأويلية أمثال شلاير ماخر وشليجل وهيدجر ودلثي وغيرهم من الباحثين الألمان والاوروبيين.. وتطرق خلال ذلك إلى تطور هذه النظرية خلال العصر الحديث حتى الآن.
تأصيل التأويل
بمقتضى هذه النظرة يقول المؤلف أن التأويل لا يقوم على مقولات بل يقوم على ظهور الشيء لنا ومغزى ذلك أن الإنسان يدرك بطبيعته فكرة امتلاء الوجود لكن هذا صنيعة تاريخية من هنا ينقض بعض الباحثين فكرة الكينونة أو الوجود الأصلي.. ولهذا فإن التأويل هو أن تفهم النص فهما مختلفا عن النص من بعض الوجوه إن همنا أن نبحث عما لم يقله النص ولم يفكر فيه ولكنه يعيش من وراء كلماته.
كما أن العملية التأويلية في جوهرها لا تدين فقط في نظر هايدجر للتوضيح العلمي لما يظهر في النص فما هو معد سلفا في النص ليس موضوع التأويل بحال ما لا يمل هايدجر من القول إن التأويل يبحث عما ليس ماثلا ولا واضحا ولا مباشرا ولا قاصدا مستقيما وليس التأويل نوعا من إعادة التعبير عن هذه الجوانب.
الفنومنولوج