المخفيون قسريا …إلى متى ¿!
عبد الرحمن بجاش

ذلك الصباح بلحظته القاسية التي تبدت فيما بعد لا تزال ماثلة أمام عيني ,إذلا زلت في محطة الانتظار, وصلت كل القطارات ولم يصل على أي منها من كنت أنتظره, بل كنا ننتظره أنا, عبد الباري طاهر, أحمد الديلمي, والمحطة التي على رصيفها لا نزال واقفين انتظارا أمام مقر نقابة الصحفيين, الليلة السابقة لذلك النهار اتفقنا أن نتقابل والصديق والزميل محمد علي قاسم, لم أعد أتذكر أين كنا سنذهب, الأهم أن زميلنا لم يأت إلى اللحظة !!! وإن كنت التقيته فجأة قبل شهور ولكن على الجدار حيث أبدع الشباب صور المخفيين قسريا, كان واحدا منهم . (كإبنة أحد المخفيين القسريين, ضاقت بي السبل بحثا عن أبي, ما زالت ذاكرتي مليئة بالمنظر الأخير له, وهو يغادر المنزل بعد ظهر أحد أيام العام 82, وأنا أجري بعده متعلقة به, طفلة صغيرة: أين المصروف يا بابا ¿ رد علي بكلمات ما تزال ترن في أذني حتى اليوم لم أنساهن ولن أنساهن إلى الأبد (مع أمك), كانت تلك آخر الكلمات وآخر المناظر, وآخر اللمسات الحانية, سنوات وسنوات ونحن نبحث عن أبي, توفيت والدتي كمدا والما وحسرة, كانت تصحو كل يوم والأمل لا يفارقها أن أبي عائد, وعندما كبرنا كان وقع خطانا يخيل لها انه مطهر زوجها وشريك عمرها, كانت تصيح بتلهف : من ¿ مطهر ¿, ماتت وكانت آخر كلماتها لنا أن نبحث عنه فهو لم يمت,) تلك أسطر حزينة حد الوجع لإحدى بنات مطهر عبد الرحمن عبد الواسع الارياني, الذي كان يعمل في وكالة الحسيني للسيارات, والذي اختطف واعتقل حسب الرسالة بعد ظهر أحد أيام أكتوبر 82م, ولم يعد إلى اللحظة, نفس هذا الحزن يخيم على بيوت وعقول وقلوب بيوت سلطان القرشي, عبد الوارث عبد الكريم, عبد العزيز عون, علي مثنى جبران, علي خان, محمد علي قاسم, وعشرات من أسماء تمتلئ بها الجدران, ويبدو أن الصمت هو الإجابة الوحيدة على حزن نبيل يقرأ في عيون زوجات وأبناء وأقارب كل مخفي لا أحد يعلم عن مصيره شيئا !!!, يكون السؤال المر: لم لا نسمع أحدا يبدد الصمت الذي يكاد يفجر رؤوس أهلهم, حيث لا حس ولا خبر, وحتى قانون العدالة الانتقالية, ولا هيومان رايتس, وكل منظمات حقوق الإنسان قالت للناس أهاليكم هذا هو مصيرهم !!!, فقد تحولت كل الأنفس وكل المنظمات إلى منظمات وهيئات لعقوق الإنسان !! حيث لا أحد يحس يعذابات الأهل حيال مصير أبنائهم, وعلى الأقل يعرفون أين جثثهم إذا ما قد أرسلوا إلى القبور, وهنا يسري الأمر على شهداء الناصريين, فمن المهم أن يعرف ذووهم واحزبهم ورفاقهم والضمير أين دفنوا ليعاد دفنهم بما يليق بهم !!, الآن تمر السنون وعشرات الأسر تبحث عن عائلها, ولا تجد سوى الصمت, وليس تبريرا أن تكون الملفات قد أحرقت, فمن كانوا لا يزالون وعليهم جلاء الحقيقة إراحة للضمير على الأقل, إما ان يظل الناس يقتلون مرات في اليوم فلا قانون ولا ضمير ولا خلق يقول بذلك …. ويا محمد علي قاسم لا نزال أمام مقر النقابة القديم يوم أن كان الأمل بها كبيرا هانحن ننتظرك …ولبنت الارياني وأخواتها وأهلي البقية من البلاد كلها قلوبنا معكم …….