نزار قباني.. الشاعر الأسطورة

عبدالرحمن مراد

مقالة


الكتابة عن الشعراء الكبار أحدثوا جدلا في التاريخ الثقافي ليست من السهولة بالمكان الذي قد يتبادر إلى أذهان الكثير ولعل نزار قباني هذا الشاعر الظاهرة والأسطورة من أولئك الذين يتعذر على كل أحد الكتابة عنهم أو الغوص في تجاربهم للخروج من أعماق الصدف بالشيء الجديد فالحضور الطاغي والكبير للشاعر نزار قباني في الوجدان الجمعي جعله مادة دائمة الحضور والقراءة ويكاد المرء أن يعجز في قول أشياء جديدة أو يضيف إلى ما قد قيل أو كتب شيئا ذابال وقد تكون هناك جوانب غير مطروقة في تجربة وحياة الشاعر الكبير نزار قباني لأن هناك تداخلا مستمرا بين أشكال المعرفة وبين ما يسعى المرء إلى دراسته وكما يقال إن موضوع المعرفة يؤثر تأثيرا جوهريا في أشكال المعرفة نفسها مثلما يؤثر في منهجيتها وينطلق منها.
ومن الثابت تاريخا أن نزار قباني نشأ في زمن كان تحوطه فيه مجموعة الظروف والشروط المختلفة والمتعددة التي تختلط فيها المظاهر الاجتماعية بالمظاهر الثقافية فلم يكن هناك تميزا بين ما هو اجتماعي وما هو ثقافي بعد ذلك الظلال الذي تركته مجموعة الشروط السياسية والاجتماعية للإمبراطورية العثمانية والجدل الذي حملته الثنائيات كالرجعية والتقدمية في تلك البدايات لذلك كان لا بد أن تنهار المسافة بين النظرية وموضوعها وكان لا بد أن يتعذر الفصل بين النظرية التأويلية والواقع الاجتماعي الذي تحاول النظرية إدراكه وتوصيفه ونزار قباني من أوائل من حملوا مشروع التحرير لتخليص الإنسان من أوهامه وتحريره من قيوده وإعادة صياغة منظمة العلاقات الاجتماعية وفق أسس ثقافية وأهداف ثقافية جديدة أكثر انتصارا للقيمة وللمعنى الإنساني ولذلك كان مجموعته قال لي السمراء وطفولته نهد مثار جدل واسع النطاق لأنها أثارت أسئلة ثقافية كانت تتوارى خلق الأقنعة وتخشى القوى الليبرالية والتيارات الثقافية أبرزها وطرحها على طاولة النقاش وحين طرقها نزار قباني في منتصف القرن الماضي بشجاعة لم يمتلكها سواه في زمنه ثارت ثائرة ثائرة التقليدية ونالت من نزار ومن تجربته كما لم تنل من أحد سواه.
لم يكن نزار قباني شاعرا عابرا في بنيتنا الثقافية المعاصرة بل كان قائد ثورة ثقافية حقيقية أحدثت متغيرا اجتماعيا وثقافيا حقيقيا إذ من خلال مشروعه الشعري التفاعلي فسر الظواهر العامة أملا منه في تحرير الإنسان من قيوده التقليدية وتوجيهه نحو قيم جديدة وأهداف ثقافية أجد ولذلك وجدنا في منتجه الإبداعي مفاهيم جديدة وقيما إبداعية أجد ورأينا كيف يكتشف لحظاتنا العابرة ليشعل منها جذوة إبداعية فيها من القدرة والتميز الكثير مما نعجز عنه أو الإتيان بمثله رغم السهولة فالسهولة يغالبها الامتناع.
لقد كان نزار قباني نسيجا إبداعيا متفردا إذ تجاوز منذ باكورته الأولى قلق التأثير فلم يكن مقلدا وتجاوز معاجم القدماء فكان له معجمه الخاص وتجاوز الماضي الذي كان يبني عليه وينفصل عنه في الآن نفسه إذ أوحى لنا منتجه النصي والإبداعي بالقول أن اللحظة المعاشة والتجربة التي يعيشها الفرد هي الحقيقة التي يجب التعامل معها ضمن كامل التاريخ ومثل ذلك اليقين والهدف الثقافي الجديد ساهم في حالة التفرد في شعرية نزار قباني وهي شعرية لم تعش اغترابا زمنيا أو انسحابا من واقعها المعرفي كما نلحظ ذلك عند مجايليه الذين كانوا إذا وصفوا شيئا جديدا استعانوا بالمخزون اللفطي وبالصورة التراكمية القديمة بكل نمطيتها وتقليدتها . بل كان كما اسلفنا القول – يبني على الماضي وينفصل عنه فيكون هو ذاته في صورة وخيالاته ومعجمه وتراكيبه .
ومن المتفق عليه بين كل دراسي أدب نزار قباني أن نكسة ( 5 حزيران) شكلت منعطفا موضوعيا وفنيا فقد انهار بريق المثالية في المفاهيم والشعارات وفي المظاهر العامة فالسعادة والحياة الهانئة التي كان ينشدها ويغني لها أضحت حروبا ومشاحنات طاحنة وإقصاء وإرهابا أصابه في أعز أحبابه بلقيس وهيمنة وقمعا وظلما اجتماعيا وهو الأمر الذي جعله يقاوم كل تلك المظاهر بلغة جارحة أحيانا كما نجد ذلك في جل أدبه السياسي.
لقد ساهم نزار قباني في اجتثات التحيزات الهرمية عن طريق مبررات وجودها وكان أكثر احتفاء بالعرضي وبالمفاوقات والسخرية وباللغة المتداولة والمتداخلة مع هموم واحتياجات الناس فنزار هو الشاعر الذي تجد شعره في الملصقات وعلى التحف والهدايا وفي باقات الورد وفي محلات بيع الزهور ولا تكاد تجد شاعرا مثله أو يماثله فهو عند النخب الثقافية مثله عموم عند الناس ولا أظن أنك تجد أحدا يجعل نزار قباني إلا نادرا فقد صنع أهدافا ثقافية جديدة منذ نشأته وتطوره ما زالت تحدث أثرا لها في البناءات العامة الثقافية والاجتماعية والسياسية رحم الله نزار قباني الشاعر الظاهرة والأسطورة التي أحدث أثرا في البناءات المختلفة وكان وسيظل متفردا فهو نسيج وحده.

قد يعجبك ايضا