محمد عبدالولي الإنسان العالمي
صلاح الأصبحي
صلاح الأصبحي –
أن تعيد قراءة الأعمال الكاملة للقاص محمد عبدالولي في هذه الأيام المجهولة التي لا تعلم إلى أين تسير ¿ ولا كيف تسير ¿¿ فهذاينبئ عن شبح ظل مشتركا بيننا وبينه منذ أمد بعيد , لا زال ضبابه ماثلا للعيان , وأنينه يدوي في كل زاوية .
في زمن تدفقت فيه أمواج اليأس, وهواجس الإحباط, ونوازع المغايرات وفوارق الإنسانية , وفي لحظة تهشمت كافة مدلولاتها, وأفرغت من كل قيمة تحيط بها, ينبع محمد عبدالولي كنهر زلال يمتد خيره في كل الأودية والسهول, فتعشب خضرة وثمارا يانعة الظلال .
محمد عبدالولي الإنسان العالمي, والصوت المليء بحب وطن يجهله, وبحث مستمر لجعل العالم كله وطنا, مات وهو لا يعلم إلى أي أرض ينسب , ليبقى إنسانا عالميا مخلصا لإنسانيته الحقيقية .
في أعماله تنكشف الكثير من الهموم والخواطر الوجودية, ومعاني الحياة المفترضة , وصلات الخير بالشر الطافح المهيمن ,وفضاءات مشبعة بالحزن الشتوي , وصرخات المرأة وحظها اللعين في وجود قاتل , أزمة وجود وهوية , أزمة الأرض والإنسان معا, ومعاناة بلا حدود .
قراءة لا تطلب منه أكثر مما ترك, ولا تحاكمه إن أخفق ,بقدر ما تنقلك صوب يمن الستينيات والسبعينيات , تعيشها معه لحظة بلحظة , ويوم بيوم , تجده خير رفيق , وأعظم دليل , يكللك بزهور حبه للأرض والإنسان , وحلمه بهما , ونضاله الحثيث بفن كأنه الشعب كله.
ومثلما بقيت لعقود تبحث عن أطلال وطن تضيء لك طريقا إليه , خلقته كلمات وأبطال ضحايا في رحم الفن وأحضان السرد , لنأتي بعد عقود نجر عربات نضالنا في البحث عنه, ولا تأخذنا الهزائم نحوها .
لست رجل السرد الأول عندنا فحسب , بل صوت الحرية والإنسان, ونبض الأرض الدافئ , وشريانها المتدفق بالعشق والأحلام , ومهما تاهت أحلامك إلا أنها لن تضيع ,طالما رسمتها بلون الأبدية في أفق اليمن المنتظر.
شكرا من أعماق قلبي للأستاذ المفكر / عبدالباري طاهر, الذي أعطاني نسخة الأعمال الكاملة ــ وهي من طباعة الهيئة العامة للكتاب ــ كما لو كنت زميلا له ويعرفني منذ زمن , بتواضع لا يماثل وهدوء لا يقارن , كم هي المعرفة عظيمة حين تصنع رجلا كعبدالباري طاهر, ذلك المثقف العضوي المشرق, والمشرف لنا جميعا.
