“قبور الديمقراطية”
خالد الصعفاني
خالد الصعفاني –
.. أثبتت أزمة روسيا – المجتمع الغربي في أوكرانيا كما أحداث سابقة عديدة أن الديمقراطية ليست كما صورها العم سام خلال العقود الأخيرة منذ الحرب العالمية الثانية أنها إكسير الشعوب وطريقها الوحيد للعيش الآمن والعادل والكريم حتى وإن كان حال المجتمعات الديمقراطية في تلك الاحتياجات الحياتية أكثر بكثير مقارنة بغيرهم ..
.. عندهم ديموقراطيات توصل الشعوب الى عقول وقرارات القيادات .. وعندهم ديمقراطيات تعزل كما تنصب , وتعطي كما تأخذ, وتنفع تماما كما تضر ولذلك رأينا نماذج من ايزنهاور مرورا برونالد ريغان وبوش الاب الى اوباما حسين في امريكا, وجون ميجور وبعده توني بلير ثم ديفيد كميرون في بريطانيا, وراينا كيف ودعت الديمقراطية برليسكوني في ايطاليا , وجاء نيكولا ساركوزي ثم حل محله فرانسوا هولاند في فرنسا, وهكذا جاءت ميركل بعد جيرهارد شوردر والاخير جاء خلفا لهيلموت كول في المانيا, وفي روسيا كان فلاديمير بوتين رئيسا ثم تبادل الدور مع ميدفيديف رئيس وزرائه قبل أن يعود من جديد رئيسا..
.. لكن تلك الديمقراطية تم اختراقها كما رأينا أيضا باسم الأمن القومي والقرارات الاستراتيجية والمصلحة العامة كما فعلتها الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا أو حتى بريطانيا أم الديموقراطيات كما تحب أن يطلق عليها .. رأينا ذلك في المظاهرات التي عجت بها شوارع المدن الكبرى في أمريكا وفرنسا وبريطانيا ضد الحرب على العراق ولكن شيئا لم يتغير .. ورأينا كيف تجسست أمريكا على الأمريكيين قبل غيرهم في باقي العالم وعلى القيادات الحليفة أوروبيا وآسيويا قبل الأعداء المحتملين وهذا يعني مراقبة أعداء افتراضيين هم كل ما ليس أمريكيا..
.. في البلدان العربية والدول النامية في الدائرة الأكبر كانت الديمقراطية قبورا حقيقية للكثير من البلدان التي وجدت نفسها في وجه مدافع حرية التعبير والتظاهر والتحزب لكن كل ذلك لم تسبقه أو تترافق معه جهود مناسبة لدعم التعليم وزيادة الوعي وتحسين مستوى عيش شعوب هذه الدول .. من دول الربيع العربي إلى تايلاند الآسيوية وفنزويلا اللاتينية وأوكرانيا الأوروبية .. الكل يمارس حقه الديمقراطي بطريقة زادت من محن تلك البلدان وجعلتها تجني مساوئ الديمقراطية اكثر من ثمارها المنتظرة على الأقل للآن ..!
.. وفي صفحة واحدة من تاريخ “حفر الديمقراطية” امريكا على سبيل المثال رفعت شعار حق العراقيين في حياة ديمقراطية بعيدا عن صدام ودمرت العراق أثناء الحصار وقبل وبعد الحربين عامي 1991 و 2003م .. كما ساهمت هي وغيرها في ديمقراطيات ليبيا وسوريا واليمن ومصر وإن بمستويات مختلفة والنتيجة ما نراه اليوم من قبور مفتوحة على كل الاحتمالات .. وهي – أي أمريكا – تدخلت قبل عقود في فيتنام وقسمتها وكوريا وقسمتها بداعي حماية الديمقراطية واحتواء العدو الشيوعي .. وكان حضورها سافرا في باكستان في السبعينيات وبالديمقراطية أيضا .. وهي اليوم تعلق على كل مشاهد الصراع أو الديمقراطيات بطريقة تتمدد وتنكمش وفقا لترمومتر المصلحة الاستراتيجية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ثم أخلاقيا لها مجتمعة أو للاعبين المحوريين في كل حالة..
.. وبالمقابل ومؤخرا هاهي روسيا تقدم نموذجا مشابها حين جعلت ديمقراطية شبه جزيرة القرم للاستفتاء على الانفصال معقولة في مواجهة ديمقراطية الغرب في غرب أوكرانيا التي أفضت إلى عزل الرئيس يانوكوفيتش وتشكيل حكومة جديدة و”بجرة قلم “..!
.. وكانت النتيجة الحقيقية هي أن أوكرانيا الدولة والشعب معنيان بتحمل شرك الديمقراطية الأخير المحفور بأياد غربية وروسية ..
.. وإذا لم تستفد تركيا السلطة والمعارضة من الحفر الديمقراطية حول العالم فإنها ستمضي في طريق الوقوع في واحدة منها عاجلا أو آجلا ..
أخيرا
.. لكن الغريب انه لم نشاهد على الاقل خلال آخر ستة عقود أيا من مشاهد الحفر الديمقراطية في دول الديمقراطيات نفسها .. دوما كانت السلطة والمعارضة تتسابقان, تفوز واحدة وتخفق الاخرى لكن لعبة الكراسي بينهما تستمر حتى قدمت الديمقراطية ثمارها الايجابية على ما عدا ذلك, وظلت المعارك سياسية وسجالا بين الجمهوريين والديمقراطيين مثلا في أمريكا, والمحافظين والعماليين في بريطانيا, ومثلها في فرنسا وألمانيا في حين لم تتواءم الديمقراطية مع أجساد العشرات من البلدان الأخرى التي يبدو أنها حملت حساسية من الديمقراطية بشكلها الحالي أو في ظل معادلات الواقع الحالي الخاص بكل تجربة .. وهنا يبرز السؤال الكبير في هذا الاطار: هل ديمق