اغتيال رأس الحكمة!!
حسن شرف الدين
لم أتمالك نفسي عندما رأيت الشهيد الدكتور أحمد عبدالرحمن شرف الدين وهو مضرج بدمائه الزكية على سيارته حين كان ذاهبا لأداء فريضة حب الوطن وتأسيس الدولة المدنية التي كان يحلم بها ويتحدث عن ملامحها كثيرا.
لازلت أتذكر محاضرة له قبل بضعة أشهر في أحد فنادق صنعاء حول المواطنة المتساوية ومكانها في مخرجات الحوار الوطني والتي أسهب خلالها كثيرا حول شكل الدولة وضرورة أن تتحول إلى دولة مستقلة وأن يكون الناس سواسية في تطبيق النظام والقانون وأن لا تكون الدولة مرهونة لأي قوى خارجية لا من قريب ولا من بعيد إلا فيما يكون فيه الصالح العام للوطن والمواطنين.. وليفاجئ الحضور بأسلوبه الأبوي الخائف على هذا الوطن طالبين منه المزيد والمزيد حول أهمية تطبيق المواطنة المتساوية.
في ختام هذه الندوة استوقفني الشهيد الدكتور في إحدى زوايا قاعة المحاضرة وأعطاني بعضا من الإرشادات الأبوية والتي لا زلت أحتفظ بها لنفسي وأحاول تطبيقها على أرض الواقع.. حاولت حينها حبس هذه الذكريات بصورة شخصية تجمعنا معا نشرتها حينها على صفحتي الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.. وعلقت عليها قائلا “كم هو رائع”.
يوم اغتيال الدكتور الشهيد تلقيت اتصالا هاتفيا يقول اتأكد من خبر محاولة اغتيال الدكتور أحمد عبدالرحمن كنت حينها على مقربة من البنك التعاوني الزراعي.. مباشرة حاولت الاتصال بنجليه “حسن وهاشم” إلا أنهما لم يردا على الاتصال.. وبعد مسافة أشاهد تجمعا سألت أحد المارة عن سبب التجمهر فقال: لقد قتلوا شخصا هنا.. شعرت حينها بأنه عمي الدكتور أحمد نزلت من الباص لأتوجه مباشرة إلى السيارة المستهدفة لأجده مضرجا بدمائه.. “إنا لله وإنا إليه راجعون”.. هذا ما استطعت ترديده في تلك اللحظة.
لقد استهدفوا رأس الرجل الذي طالما حمل فكرا مستنيرا وعقيدة معتدلة حاول كثيرا الخروج برؤى يجتمع عليها الجميع.. اغتالوا رأس الحكمة.. الكثير من زملائه تحدث عن وسطيته وأنه كان يعتبر الفصل فيما يقول ويطرح من رؤى ومقترحات.. لقد خسر الوطن باغتيال أحد أعلامه الكبار أحد علمائه وفقهائه المستنيرين بنور الله سبحانه وتعالى.
إن استهداف واغتيال فقيه الدستور –كما أطلق عليه البعض- هو اغتيال للأخلاق والقيم والإنسانية.. اغتياله دليل واضح على عدم الرغبة للحصول على الدولة المدنية المنشودة دولة النظام والقانون.. وللأسف جاء هذا الاغتيال في ظل حكومة لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم حتى أنها لا تشعر بمدى الجروح التي تصيب هذا الوطن يوما بعد آخر.
استهداف الدكتور أحمد عبدالرحمن هي محاولة لإجهاض مشروعه التنويري المدني الرافض للعنف والاقتتال الداعي إلى تطبيق مبدأ المساواة والعدل وتحكيم الشريعة والقانون.
في أربعينة عمي الشهيد الدكتور عزائي كبير في فقدانه .. وعزائي أكبر لهذا الوطن اليتيم بأهله الفقير بثرواته.. الذي يصاب يوما بعد آخر بفقدان أحد أبنائه الوطنيين.. “إنا لله وإنا إليه راجعون”.. ولا نامت أعين الجبناء.