الوجه المضيء في الربيع العربي..
خالد القارني
ذات يوم وقف الزعيم الأمريكي الكبير جورج واشطن خطيبا في مهرجان جماهيري وفي ثنايا كلمته قال عبارته الشهيرة “هل أدلكم على صوت أقوى من صوت المدفع … انه صوت الحق ينبعث من قلب أمة صالحة تريد أن تعيش حرة ” وكنا على قدر مع مقولة السيد “جورج” فيما بات يعرف بثورة “الربيع العربي” الذي ظل المواطن العربي قبلها ملجوما لقرون طويلة أمام وحشية سلطته السياسية ووحشية عسسها وها هي تمكن هذا المواطن في لحظة إرادة جماهيرية حقيقية أن ينزل إلى الساحات والميادين ويقول «لا» بملء الفم.
ولكن قبل الحديث عن “الربيع العربي” أود التطرق إلى ملاحظة هامة لها علاقة بموضوعنا من خلال السؤال التالي: هل صوت بائع الخضار محمد البوعزيزي وجسده المحروق أو صوت الجماهير في شوارع تونس هي التي قطعت الحبل السري بين الأم المتسلطة” الأنظمة الحاكمة” وجنينها “الربيع العربي”¿¿. ماذا كان سيحدث لو صمد بن علي أمام الثوار وتمت المواجهة بين الطرفين مثلما حدث في ليبيا وسوريا¿.
ربما أكون مخطئا في اعتقادي وهو أن لولا هروب بن علي لما حدث “الربيع العربي” ولما فتح سجل حافل من الفضائح المتتالية للمسكوت عنه طوال عقود من الاستبداد في الوطن العربي كظاهرة وكنمط حياة يومية بعد سنوات سبات وذل طويلة وهذه تساؤلات مطروحة للنقاش مستقبلا وما يهمنا في هذه المتناولة هو الوجه المضيء في هذا الربيع.
إذ اعتبر أجمل ما في “الربيع العربي” هي سلسلة طويلة من “الفضائح” التي تترك الحقيقة عارية وراءها كعري تماثيل آلهات اليونان إنها قاسية العري بقدر ما هي كاشفة ونافذة. وهذا سöر أهميتها لأن الحقيقة من نار ونور ونحن بشر من لحم وكلمات أو هكذا قيل.. يمكننا تسميتها بöـ “فضيحة المفاهيم” أو “فضيحة الشعارات”. وهي ليست فضيحة خاصة بمنطقة دون أخرى وليست مقتصرة على فئة معينة بل هي ظاهرة عربية بامتياز. وما يميزها ظهورها بعريها الكامل بعد احتشام زاد أو قل سابقا وبأنها اليوم لم تستثني أحدا من فتنتها حتى أكثرهم زهدا.
تلك “الفضائح” لم تقتصر على الأنظمة الحاكمة وحسب بل امتدت إلى مكونات المجتمع العربي: (سياسيين وحزبيين وقانونيين وقضاة ومثقفين ومفكرين وإعلاميين) وغيرهم لقد أخذ كل منهم يرفع مبادئه ويمارس على الواقع نقيضها.. القاضي رفع شعار البعد عن السياسة وانغمس فيها حتى العظم والليبرالي رفع شعار الديمقراطية وإذا بنا نشاهده في أعلى مستويات الديكتاتورية والتطرف والإرهاب والعلماني رفع شعار فصل الدين عن السياسة وإذا به يحول العلمانية إلى دين متطرف لا يعترف بأن للأمة دينا أصيلا هو بمثابة الروح والديني رفع شعار الحكم لله وإذا بنا نراه يمارس كل ما في العمل السياسي من أو شاب وأخلاط والإعلامي رفع شعار المهنية والموضوعية وإذا بنا نراه اللامهني واللاموضوعي وهو أقرب إلى مسبر.
اليوم تعرت تلك النخب المزيفة المنفصمة عن روح مجتمعاتها الغارقة في التنظير السفسطائي المخيبة لروح الشعب وبالأخص تلك النخب المشتتة المجزئة التي لم تستطع أن تتوحد مع بعضها في دولتها ولا تنصهر مع شعبها وتقف خلفه لينجز ثورته بل على العكس أحبطته بتجزئتها وببياناتها المتناقضة والمتكالبة على كرسي السلطة.
وقبلها في خانة “فضيحة المفاهيم” كانت مفاهيم : (الدستور القانون الرئيس الأمن المواطن الشعب الوطن.. إلخ) وغيرها قد تعرضت لفضيحة نكراء سقطت أقنعتها تحت هدير الهتافات لنكتشف لها معنى آخر بدأ يتكون من جديد في هذه الدول بعد أن مارس حكامها ما يشبه عملية إعادة إنتاج زائفة لمضامينها طوال الفترة المنصرمة.
وتبقى أكثر الفضائح فكاهة هي “فضائح الخطابات” الرسمية للذين يتصرفون اليوم وكأنهم ورثة أخطاء فحسب حيث ظهروا كرواد فضاء قادمين من كوكب آخر يتكلمون عن عوالم علوية و عن إنجازاتهم التي كذبوا فيها وصدقوها وإصلاحاتهم التي سينجزونها في العقود القادمة محبتهم لوطنهم وتفهمهم لثورة الشباب والشعوب.
وكشف الربيع فضائح الثروات الطائلة والصفقات الشخصية كما كشف “فضائح الشعارات” الغربية لحقوق الإنسان والديمقراطية التي لا تتجاوز حدود الدولة الغربية ولا تتعدى مواطنيها.. إنه زمن الفضائح الجميلة العارية والموجعة القاسية أيضا تنتشر كالنار في حقل صيفي حان وقت حصاده.
إذن نحن أمام حالة مد وجزر بين مقتضيات الديمقراطية واستحقاقاتها وبين “المفهوم الشرقي للحكم” إنها حالة مخاض عسير بين ما تحمله الطبقة الحاكمة ـ ونحمله جميعا بدرجات متفاوتة نسبيا في أذ