إضـــراب القضــــــاة مخالف لشــرع الله
المحامي / خالد أحمد الصــالحي
شهدت الساحة القضائية إضرابا واسعا على مدى عامين أوصدت خلالها أبواب المحاكم في وجوه المتقاضين وتوارى القضاة فيها عن الأنظار إذ قلما نجد قضاة اعتلوا منصات القضاء خلال تلكم الفترة وبالكاد يمكن القول بأن مجموع أيام حضور بعض القضاة آنذاك لا يتجاوز الثلاثة الأشهر متصلة ومنقطعة وتعزى أسباب ذلكم الإضراب إلى ذرائع غلب فيها المضربون مصالحهم الشخصية دونما يرقبوا لمصالح العامة إلا ولا ذمة .
والغريب في الأمر هو محاولة المضربين من القضاة وإصرارهم الشديد على إضفاء المشروعية على ما أقدموا عليه من امتناع عن عقد الجلسات والنظر في القضايا مستخفين بذلك بعقول الأمة في الوقت الذي صدوا فيه عن رأي الشرع صدودا نابذيه وراء ظهورهم ولم يأت أيا منهم بدليل يبرهن من خلاله على مشروعية ما اقترفوه. وقد يكون مرد ذلك هو تجاهل المضربين أحكام الشرع الحنيف أو جهلهم بها فإن كان تجاهلا فتلك مصيبة وإن كان جهلا فالمصيبة أعظم. وفي هذا قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه : من عمل دون علم فإنه يهدم أكثر مما يبني.
ونظرا لأهمية موضوع الإضراب وحساسيته وما ينطوي عليه من انعكاسات وآثار سلبية ترتد آثارها إلى صدع كيان الدولة وبث الفتن فيها وانعدم الأمن والاستقرار ولكون المحامين معنيون بإزالة العراقيل والتعقيدات عن المتقاضين وتيسير سبل العدالة لهم باعتبارهم مساهمين في تحقيق العدالة وأن هذا من الواجبات الملقاة على عواتقهم وفقا لما نصت على ذلك المادة (4) من قانون تنظيم مهنة المحاماة لذلك فقد رأينا أن نبحث في مسألة الحكم الشرعي والقانوني لإضراب القضاة ومدى موافقة إضرابهم للشرع والقانون من عدمه .
أولا : بيان الحكم الشرعي في تولية القضاء :
أجمع الفقهاء على أن من الواجب على ولي الأمر تكليف قضاة ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط الشرعية وذلك للفصل في النزاعات وحسم الخصومات بين أفراد المجتمع. ويعتبر القضاء من فروض الكفاية على العامة ويعتبر القاضي المكلف بالقضاء ملزما بأداء ما كلف به ولا يجوز له الامتناع أو الإحجام عن أداء ما كلف به دونما عذر أو مبرر شرعي يحول بينه وبين أداء ما كلف به على اعتبار أن الوظيفة في الإسلام تكليف لا تشريف ولا تخضع إطلاقا لمزاج المكلف أو هواه أداء أو امتناعا إذ أن الأصل القيام بالعمل في حدود التكليف وما عداه فتعد وإفراط وتهاون يوجب المساءلة الشرعية.
-1 وردت جميع الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بالحكم بصيغ تدل على وجوب الحكم بين الناس بالحق والعدل قال تعالى : ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ص آية 26. والشاهد في هذه الآية أن المولى جل شأنه قد ألزم نبيه داوود بالحكم بين الناس بالحق وقد وردت الآية في سياق متصل لما سبقها في الآيات التي أوردت قصة الخصمين اللذين تسورا على نبي الله محرابه وفزع منهم ورغم ذلك لم يحل بينه وبين الحكم بينهما حائل على اعتباره مكلفا بالحكم لا يحق له الامتناع فإذا كان الحال كذلك وكانت الآية قد وردت مشددة على وجوب الحكم بالحق فإنه ومن باب الأولى لا يحق الامتناع عن الحكم إطلاقا ولو كان الأمر غير ذلك لامتنع نبي الله داوود عنه رغم توافر مبرري إفزاعه وتسور محرابه.كما قال جل شأنه : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) النساء آية 58والشاهد في هذه الآية أن الحكم بالعدل هو أمر رباني واجب وبالتالي فإن الامتناع عنه يعد معصية لأمر الله فإذا كان الحكم قائما وله وجود واقعي ولكنه كان حكما بجور أو حيف يعد معصية فما حال الامتناع عن الحكم أصلا ¿ .
ضف إلى ذلك فلم يرد أي دليل على الإطلاق يبرر الإعراض عن القضاء سوى آية واحدة وردت مخيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحكم بين أهل الكتاب أو الإعراض عنهم قال تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) المائدة آية 42. والشاهد في الآية ومن مفهوم دلالة النص يوحي أن الإعراض عن الحكم غير جائز سوى الحكم بين أهل الكتاب.
-2 مما لا خلاف عليه إطلاقا بأن القضاء هو أمر من أمور الولاية و به تحفظ الحقوق وتصان الدماء وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة على صاحبها وآله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم تشدد على وجوب التقيد والالتزام بأداء أمور الولاية ومراعاة مصالح العامة دونما مشقة أو عناء يت