سحر البدايات
إبراهيم محمد الهمداني
إذا كانت مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة فإن ما تبقى من المسافة لا يعدو كونه الخطوة التالية أو هو خطوة البداية ذاتها ذلك لأن البدايات دائما صعبة جدا وغاية في الخطورة ليس فقط لأنها تنفيذا إجرائيا أكثر من كونها مفهوما مجردا بل لأنها – أيضا – قيمة معرفية تحاول تحديد الهدف وتوفير الوسيلة ورسم الأبعاد الزمانية والمكانية بدقة عالية وحذر شديد ليتسنى من خلال ذلك تحقيق نشوة الإنجاز وكلما كانت الفكرة بسيطة وقريبة كانت محاولة تحديدها وصياغتها أكثر صعوبة وبقدار تلك الصعوبة يكون الشعور بلذة البداية والاستمتاع بسحرها وكل ما يضاف إلى تلك البداية من إنجازات لا يستطيع أن يقدم ما قدمته البداية من متعة وسحر لأن البداية هي نقطة الانطلاق إلى الأمام مطلقا بينما الإضافات تقوم باستنساخ الأصل في عمليات متكررة ضمن مسار دائري ينظر إلى نقطة البداية من الخلف بوصفها نهاية يقف عند بلوغها كل شيء.
إن اللذة التي شعر بها الإنسان الأول عندما اكتشف النار لم ولن تعدلها لذة إنسان اليوم باكتشافاته وإنجازاته المتعددة في هذا المجال ولم يحظ علماء العصر الحديث والمعاصر بما حظي به نيوتن من سعادة عندما اكتشف قانون الجاذبية ذات صدفة وكذلك رحلات الفضاء المتكررة – رغم ما تحققه من اكتشافات علمية هامة ومتجددة – ما زالت تفتقر لذلك السحر والتشويق والإثارة التي حققتها أول رحلة فضائية على الإطلاق.
البداية هي لذة الطموح وقشعريرة المغامرة التي تحلق بأرواحنا في فضاءات المجهول اللامتناهي لننعم بمتعة اكتشافه وسحر غموضه يظل للبداية ذلك المذاق الخاص وتظلين أنتö بداياتي المتجددة والسحر الذي يمنحني نشوة التحليق والسعادة الدائمة بجهلي المستمر القاصر عن معرفتك والقداسة التي تتناثر أمام جلالها مفرداتي ثم تختفي إلى الأبد أنتö بداية بنكهة المغامرة وهذا ما يثير جنوني ويقلقني.