منú تمنطق فقد أفلح !!!
سامي عطا
“كثيرا ما نرفض فكرة ما لمجرد أن نبرتها تثير النفور.” فريدريش نيتشه
كتب أنجلز في مستهل كتابه “ضد دوهرنج” يقول: “اللغة وعاء للفكر”, ولما كان الفكر سلوك إنساني يحدد علاقة الناس بعضهم ببعض, فإن اللغة تعطيه أبعادا ومعاني ودلالات إما أن تترك أثرا حسنا في نفس من يسمعها, كما تؤثر على نفس قائلها أيضا أو تحدث اثرا عكسيا.
اللغة معامل أساس تتحدد به طبيعة علاقة الناس من حيث الرضى وعدمه, ولما كانت اللغة وعاء للفكر , لأنه يستلزم قواعد وقوالب منطقية وضعها مناطقة بدءا بأرسطو ومروا بفريجيه وحتى بلوغها شبه الاكتمال براسلوهوايتهد ولا زال المنطق يتطور بصيغه ودلالاته ومعانيه, وإذا كان النحويون العرب القدامى قد قالوا أن النحو منطق اللغة, مثلما المنطق نحو اللغة, فإنه من اللزوم القول أن لكل لغة منطقها أو نحوها الخاص الذي يضفي على فكرها معنى من خلال التعابير والصيغ التي يحملها. وإذا كانت اللغة وعاء للفكر, فإن اللغة وعاء للتعبير عن مشاعر وخلجات ووجدان الإنسان, بيد أنها ليست وعاء أوحدا لمثل هذا النوع من التعبير, إذ هناك وسائط أخرى يمكن أن تنقلها , وهي وسائط تجد تعبيرها في الفنون المختلفة من رسم وموسيقى ونحت وسينما وسواها من الفنون, أي أن اللغة ليست إلا واحدة من وسائل وأدوات عديدة للتعبير عن العواطف, بينما التعبير عن الفكر ينحصر باللغة وسيلة وحيدة له.وتمتاز اللغة بقدرة فائقة على حمل معاني ودلالات تتنوع إما بسبب تنوع الألفاظ أو بسبب اختلاف الصيغ والقوالب المنطقية التي يتم صب الألفاظ فيها.
ولما كان التفكير عملية تؤسس لإنتاج المعرفة وتراكمها, فإن المعرفة كالأشياء جميعها في هذا الوجود لها وظيفة أو وظائف تؤديها, والوظيفة الأساسية للمعرفة سبر أغوار هذا الوجود, الوجود بتعيناته المختلفة الطبيعي والاجتماعي والفكري, الأمر الذي يمكن الإنسان من كسر جوزة هذا الوجود ويدفع به إلى الأمام, أي أن هناك معادلة طردية بين المعرفة واتساعها والتغيير الذي يحدث في نمط الحياة وشكل الوجود.
ولا تقتصر وظيفة اللغة على نقل الفكر وحسب, بل يمكنها أن تنقل الشعر والأدب أيضا, وتختلف لغة الفكر عن اللغة الشعرية والأدبية, بيد أن الاختلاف الرئيسي يتعلق في منطق بناء الجملة في كل نوع منها.
وفي مؤلفه ( الكتابة عند درجة الصفر) تحدث الفيلسوف الفرنسي الراحل رولان بارت عن مسألة أثارت ردودا نقدية من خلال طرحه لهذا السؤال , هل توجد كتابة شعرية¿ حدد فيه خصائص الخطاب الشعري الحديث أبرز فيه اختلافاته عن الخطاب الشعري الكلاسيكي, نوه فيه إلى أهمية اللغة في الشعر باحثا عن البنية التي تشكل أساس النسيج اللفظي في القصيدة الحديثة فكل نص عنده يقوم على نسيج لغوي وهو خطاب مكتوب. وفي علم اللسانيات فإن الخطاب بنية لفظية لها عنصران مختلفان ولكن متضافران: العنصر الأول هو الدال ويتمثل في مادية الحروف التي ترتبط بصيغ وتأخذ هيئات مختلفة. أما العنصر الثاني هو المدلول وهو الجانب المجرد من العلامة اللسانية, وهو جانب له طبيعة ذهنية ونفسية حسب دي سويسيور( فردناند دي سيويسيور عالم لسانيات). وهذا التحليل البارتي لعنصري اللغة مكن الفيلسوف رولان بارت الربط بين أزمة الشعر الحديث وأزمة اللغة.
والكتابة وسيلة من وسائل نشر الأفكار, لكن لكي تكتب كتابة تعبر عن أفكار , والأفكار استدلالات وبراهين , أي أن الفكر بناء نسقي مثله مثل الرياضيات, بناء أوكسيوماتيكي “استنباطي عقلي” يتشيد على مبادئ وأسس وضعها المناطقة, وهذه المبادئ والأسس هي حصيلة الممارسة الفكرية للبشرية, ولا يمكن الكتابة الفكرية دون حصيلة لغوية فيها روابط تساعدك على الاستهلال والولوج للموضوع ومن ثم الوصول إلى النتائج, هناك ألفاظ تمكنك من الإلمام بهذه الصيغ وتكون مفتاح التفكير والكتابة الفكرية, من هذه الألفاظ (إن, وعلى الرغم, كما, أن, ولما, ولئن, إذا, وإذ, أحسب أن, واللافت للنظر, يبدو لي, لذلك, لقد, قد, ما, لا مفر, لا مشاحة, لا غضاضة, لا ريب, لا شك, نظرا لأن, لأجل ذلك …. إلخ)
ومن أجل توضيح الفكرة السابقة, نقول كل عبارة هي عبارة عن حكم, وبالتالي لها صيغة أو قالب رمزي تتقولب فيه, فإذا أخذنا العبارة التالية:
إذا أمطرت السماء في مدينة عدن, فإن الطقس يغدو صحوا ورائعا
هذه العبارة يمكن تحويلها إلى صيغة رمزية “صورية” كما لو كانت قاعدة في جبر الحساب فتتخذ الصو