اصابع تحترق .. عن تجربة العيش بين لهيبين

بشير المصقري

 - اليد عضو هام من الأعضاء الجسدية للإنسان فهي الآلة التنفيذية  المحورية في هذا الجسد  وهي التي تمكن الإنسان من تحوير وتدوير  وصقل وتحريك الواقع  المادي  من حوله وإليها
اليد عضو هام من الأعضاء الجسدية للإنسان فهي الآلة التنفيذية المحورية في هذا الجسد وهي التي تمكن الإنسان من تحوير وتدوير وصقل وتحريك الواقع المادي من حوله وإليها يعود تحقيق كافة الرغبات وترجمة الفكرة ومايتحوصل في الدماغ من رؤى لاكتشاف الحياة وابتكار اختراع وخلق كل الأدوات والآلات والوسائل التي تعطي معطى جديدا للأشياء وتعمل على تسخير خوام المواد في الأرض لخدمة البشر واعطائها معنى يفسر الحركة الديناميكية لمضي الحياة بصورة تتناسب والتطور اليومي الحادث فوق الأرض وعلى ظهر الحياة ..
ولأن هذه اليد ذات الخمسة الأصابع والمتسقة بالمعصم هي التصميم الإلهي المحكم للكينونة المادية الصانعة للكائنات من غير الحية وهي الشارح الأشمل للأشياء المحيطة بالإنسان من طبيعة وحجر وشجر وعناصر وجودية أخرى فإن لها أيضا أدوار شتى تطبيقية ذات اتجاهات مختلفة اختلاف المعاني ووفقا لما هو راسخ فوق أديم الأرض ومن هذه الأدوار ما يتعلق بالصناعة ومايتعلق بالصنعة الفكرية وترجمة الإلهامات الفنية والإبداعية مثل الكتابة بمختلف اجناسها من شعر وقصة ورواية ومقالة والرسم والنحت والعزف والمهن اليدوية التي تعكس الجمال والتحضر ومواكبة عجلة دوران الحياة لحظة بلحظة .
إنها أداة التواصل مع الحي والجمادات كاللمس والمصافحة والتلويح واعطاء الكلام والجدل والحوارات صورة تشكل دعما يتماشى مع معنى الكلام من خلال حركتها ..
وبصفة عامة تعتبر الاصابع وطريقة تحركها بصيغ مختلفة هي الجوهر الحقيقي للإرادات وتعبير مكنون لهذه الإرادات والإدارات الإنسانية معا وذاك ماحدا بي لإيضاح ماهية هذا العضو الفعال الذي خلقه الله وأحسن صنعه لمساعدة الانسان في تقديم نمط سهل للصيرورة الكونية .
داهمني كل ذلك عن اليد حين كانت يداي خاضعتين لضمادات طبية طيلة أربعة أسابيع بسبب حادث حريق وقع في منزلي ما أدى إلى احتراق واجهة اليدين مع الاصابع وعلى إثر ذلك لم يداهمني قلق لتعطهما عن تحقيق الرغبات الذاتية بدءا من الأكل والحلاقة وارتداء الملابس وخدمة الجسد في المرافق العامة وفي الحمام وفي اماكن اخرى وكذلك الرد على المكالمات الهاتفية والمصافحة والتلويح والتوكأ وانجاز مهام شخصية صغيرة أو كبيرة مختلفة لكن داهمني قلق من نوع آخر أشعرني بالخوف كان باتجاه مهام الكتابة بمختلف انواعها وكافة اجناسها وكل الاعتمالات الابداعية التي تعتمد على الكتابة من أدبيات وفنون صحافية ونقدية وامور من شأنها انتاج نسق اضافي للمنجز المكتوب في مسيرتي الإبداعية .
ففي فترات الضماد ومابعده من الوقت الذي كان لابد من مضيه لتطيب جروح حروق يدي كان الامتعاض يملأ كياني كلما لمحت قلما في متناول شخص سواء من الزوار الاصدقاء والزملاء أو من الأطباء والممرضين وإداريي المشفى الذين كنت أقابلهم واصادفهم يوميا ..
لقد كان الذعر يلف احساسيسي مع تبادر مشاعر تفيد بأن اليدين قد انتهت صلاحيتهما وان الاصابع قد جمدت عن الحركة خاصة مع البقاء تحت طائلة انتظار نتائج المجارحة وابان ما كانت محاولة تحريكها تبوء بالفشل لشدة الالم ومن فرط هذا الشعور كدت أن أصاب بحالة نفسية واكتئاب مقرف والعياذ بالله والمثير على اعتاب ذلك أنني كنت أتذكر أصدقاء وبشرا من أبناء مدينتي احترقت أياديهم واصابعهم ومنهم من عادت حركة أصابعهم إلا أن ماكان يرسخ في ذهني أولئك الذين تعطلت اصابعهم وأياديهم نتيجة عمق جروحهم وهذا بحد ذاته ما بث الرعب في احشائي واعطى بعدا لوساوس أكثر إيلاما كالوقوف عند سؤال تحنط في قرارتي ومفاده , ماذا لو تعطلت أصابعي ¿¿ لتتبعه أسئلة أخرى من نوع كيف سيكون حالي مع الكتابة وهل ستنتهي صداقتي المزمنة مع القلم هذا الصديق البهي الوفي الصدوق وعندئذ لم يكن لدي اجابات حاسمة سوى التذكر أن البردوني لم يمسك قلما وكذلك طه حسين وهلين كلير لكنني لست أعمى والحمدلله .. وتارة أقول لكن تعطل الأصابع بمثابة عمى آخر اكثر احباطا ومجددا أعود للقول لن تتعطل كل الأصابع وأدب في تطمين نفسي باستشعار متفائل بالهمس في ذاتي : سيكون هناك مساحة لحركة اصبعين يمكنان من مسك القلم على الأقل بأي طريقة وأثق بذلك .
الحادث حملني على تذكر أدباء تعرضوا لاحتراق اصابعهم بحسب ماقرأت لكنها حروق طفيفة منهم الأديب الجزائري الفرنسي جان جنيه الذي كانت أصابعه تتعرض للسعات عديدة في اليوم الواحد استنادا إلى ماجاء في عدد من أعداد مجلة الحوادث اللب

قد يعجبك ايضا