أسطورة عبدالله بن سبأ الحميري

محمد صالح الحاضري


 - في أوج الفتنة الدموية بين العائلات الاقطاعية القرشية حاولت قريش تغطية تناقضاتها بتخريجة تغير بها أسس التناقض ومندرجة في نظرية المؤامرة الهدف منها توحيد هذه العائلات القرشية المحتكرة للسلطة على حساب تضحيات اليمنيين وايضا توجيه الأنظار إلى خارج مسرح التناقض بايجاد عدو وهمي يتوحد المسلمون
في أوج الفتنة الدموية بين العائلات الاقطاعية القرشية حاولت قريش تغطية تناقضاتها بتخريجة تغير بها أسس التناقض ومندرجة في نظرية المؤامرة الهدف منها توحيد هذه العائلات القرشية المحتكرة للسلطة على حساب تضحيات اليمنيين وايضا توجيه الأنظار إلى خارج مسرح التناقض بايجاد عدو وهمي يتوحد المسلمون على أساس عملية التصدي له ولا يضعف انتماؤهم للإسلام نتيجة مستوى القيادة القرشية المتدني من الناحية الإيمانية نظرا إلى الطابع المادي لصراعاتها الدموية.
لقد أشاعوا بأن هناك مؤامرة على الإسلام يقف وراءها يهودي يمني من يهود صنعاء اسمه عبدالله بن سبأ وأنه دخل الإسلام بهدف تدميره من داخله كشخص يظهر الإسلام ويبطن اليهودية.
إن تحليل هذه النظرية المؤامراتية يعني لعب قريش على ماضي اليمنيين الحميريين اليهودي وأن اليهودية كانت دينهم الوطني وما دخولهم الإسلام إلا لنسفه وتلغيمه بالفتنة. وفي الحقيقة اسم عبدالله بن سبأ وهمي وتم تركيبه بأسس يهودية يمنية فعبدالله اسم يهودي ديني ينتمي إلى الحقبة الاسرائيلية السبئىة نظرا إلى مرادفة اسم اسرائيل لاسم كربئيل أهم وأعظم ملوك سبأ وليس عبدالله بمفهوم نتنياهو في اللغة العبرية الجديدة وإنما عبدالله في العبرية القديمة وعلى ذلك فعبدالله هو الاسم العبري وسبأ هو الاسم الوطني فهم قصدوا اليمنيين بشكل مباشر ولم يقصدوا اليهودية الاسرائيلية وهذا يشير إلى خوف قريش من اليمنيين واحتمال انتزاعهم السلطة منها فحاولت التذكير بماضيهم اليهودي علما أن أكثر من نصف اليمنيين في زمن الفتنة بين علي ومعاوية كانوا لازالوا يهودا ورافضين لنظام الاحتلال القرشي وهم من قاتلوا في أول الأمر مع عبهلة بن كعب العنسي وعبهلة في اللغة الحميرية من عبهل فهناك علاقة لغوية بين عاهل المعاصرة وعبهل القديمة فعبهل هو الملك في اللغة اليمنية يقابلها عاهل في اللغة العربية.
إن خلفية الخوف القرشي من الحميريين يعود إلى خلفية نشؤ الإسلام عندما قضى النبي محمد اثنا عشر عاما في مكة ولم يتبعه سوى اثنين وسبعين شخصا وانتهى جدله مع قريش بأن قررت قتله قبل أن يلجأ إلى يثرب الحميرية بعد مفاوضات سرية مع زعمائها وبانتقاله إليهم بدأ تاريخ الديانة الإسلامية الهجرية باعتباره تاريخ قيام الإسلام على يد الحميريين وبعد وفاة النبي انقلبت عليهم العائلات الاقطاعية القرشية واستولت على السلطة وتقاتلت فيما بينها وقتلت زعيم الانصار الحميريين سعد بن عبادة في حادث كبير اسماه المؤرخون أول اغتيال سياسي في الإسلام. وبعدها توجت قريش نهجها التصفوي لليمنيين بتخريجها لنظرية المؤامرة في شكل أسطورة عبدالله بن سبأ الحميري.
إن أسطورة عبدالله بن سبأ المشهورة في التاريخ الإسلامي تكشف لنا في بعدها المركزي الحجم المجهول من التاريخ الحميري وهو تاريخ الديانة اليهودية اليمنية كديانة مركزية لليمنيين الحميريين وذلك هو ما تشير إليه المرجعية المعلوماتية للفقه السياسي القرشي عن العصر الحميري وديانته الوطنية اليهودية الموضوعية بشكل مطابق للمفهوم الوطني الديني الحميري في شكل نظرية المؤامرة الأسطورية لعبدالله بن سبأ بل إن هذه المرجعية المعلوماتية تتعدى حمير إلى سبأ وأنه واضح لدى القرشيين في القرن السادس يهودية سبأ وليس فقط حمير بل إنها يهودية يمنية صميمية معنونة على أساس وطني اعتبرته قريش أساسا صالحا لنظرية مؤامرة سيطرت على الذهنية التاريخية الفقهية السياسية القرشية بقدر ما شكلت إساءة لذكائها من الناحية التقنية للذكاء فقد شكلت إساءة لإيمانها وبالنسبة لنا الموضوع جزء من الماضي لكنه مفيد من ناحية نبش الأصول التاريخية الحميرية ومعرفة جذروها البعيدة في أعماق التاريخ السبئي للقرن العاشر قبل الميلاد.
فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ومن ذلك أن أسطورة عبدالله بن سبأ عامل مساعد على إعادة كتابة التاريخ الحميري في ضوء إفادة لم يقصدها المنتصر وهو يكتب التاريخ باسنة رماحه فاضاءت لنا هذه التخريجة طريقا إلى سبأ يمر من جغرافية حمير الدينية على مدى ثمانمائة عام لنصل إلى الألف عام ومائتين قبل الميلاد.
ودون شك هناك إشارات ضوء مقصودة أو غير مقصودة أيضا من أطراف تاريخية أخرى سنصل بمؤشرات زمنها التاريخي إلى ما قبل سبأ رجوعا إلى التاريخ المعيني وقبله إلى العصر البرونزي تاريخ الحضارة اليمنية الأصلية.

قد يعجبك ايضا