لماذا المنهج !¿

سامي عـــطا

 - منذ أن بدأ العرب يدركون تخلفهم في العصر الحديث, أخذت نخبهم تطرح مشاريع للنهضة تعددت وتنوعت مشاربها, وجاءت هذه المشاريع على ثلاثة أشكال ( الإسلامي والقومي والمدني الحداثي"اليساري"), ولم يحالف أيا منها النجاح , حيث سار
سامي عـــطا –
منذ أن بدأ العرب يدركون تخلفهم في العصر الحديث, أخذت نخبهم تطرح مشاريع للنهضة تعددت وتنوعت مشاربها, وجاءت هذه المشاريع على ثلاثة أشكال ( الإسلامي والقومي والمدني الحداثي”اليساري”), ولم يحالف أيا منها النجاح , حيث سار العرب من إخفاق إلى إخفاق , وتراكم فشلهم وعجزهم الأمر الذي ترك في نفوسهم الإحباطات والشعور بقلة الحيلة , هذا الأمر أفضى إلى وجود مجتمعات ممزقة وفيها ناس إراداتهم واهنة وخاملة, حتى باتت نهضتهم مستحيلة , لأن شرط النهضة الأساسي وجود إرادات متفائلة, فلا يمكن للإرادات الواهنة والمحبطة أن تكون رافعة لأي نهضة.
وعلى الرغم من مرور قرنين من سؤال نهضتهم ” لماذا تقدم الغرب وتخلفنا¿”, إلا أن العرب لم يهتدوا بعد إلى سبب تخلفهم , كما أنهم لم يهتدوا إلى كيفية الخروج من وهدته.
بيد أن أهم مشكلة تواجه الفكر العربي المعاصر منذ وقت مبكر, وكما حددها الدكتور أبوبكر السقاف في افتتاحية لمجلة دراسات يمنية ـ العدد 8و9 يونيو ويوليو1982م ـ تحت عنوان لماذا المنهج¿, حيث يعزو المشكلة إلى ” غياب المنهج في الدراسات الطبيعية والإنسانية” ويستدرك مميزا بين الحقلين قائلا ” وإذا كان المشتغلون بالعلوم الطبيعية لا يثيرون هذه المسألة فذلك لأن مشاكلهم لم تستطع أن تكون هما عاما كما هي الحال مع الدراسات الإنسانية” وذلك لأن ” الاعتماد على العالم المتقدم في مجال العلوم والتكنولوجيا يساعد على عدم طرح هذا الإشكال في الأوساط العلمية العربية”. وعلى الرغم من مرور ما يناهز الثلاثين عاما إلا أن المشكلة لا زالت حاضرة وتطل برأسها, ولم تجد حلا لها.
ومشكلة المنهج مشكلة يطرحها عادة الشعور بالتخلف, وقد طرح الفكر الغربي خلال القرن التاسع عشر مشكلة تخلف العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية, وهذه المشكلة طرحتها إنجازات العلوم الطبيعية المتسارعة بالنظر إلى تخلف العلوم الإنسانية, ولقد كانت علوم الإنسان تشعر بفجوة كبيرة بينها وبين العلوم الطبيعية, وظل العقل الغربي منشغلا بردم هذه الفجوة.
وعبر متلازمة مشكلات العلوم ذاتها وإعمال العقل فيها تحسنت طرائق وأساليب البحث. أي أنهم ربطوا بين العقل والتجربة. هذا التلازم جاء لصالح تطوير مناهج البحث في العلوم الإنسانية , ولهذا بدأت هذه العلوم تحقق نجاحات وتقدم حلولا للمشكلات.
وعلى الرغم من هذه النجاحات لم يهتد العرب إلى هذه الحلقة المفقودة, وعوضا عن التركيز على هذه النجاحات المتصلة بتطوير المناهج, ذهب العرب للبحث عن الحلول المنجزة والمشاريع النظرية الجاهزة, وهي مشاريع نظرية نتاج مشكلات طرحتها المجتمعات الغربية ذاتها, لذا تم استيراد المشروع القومي من فلسفة الفيلسوف الألماني يوهانفيخته (1762ـ1814م) من خلال كتابه ” نداء إلى الأمة الألمانية”( هذا الكتاب أثر كثيرا على العديد من المفكرين القوميين العرب زكي الأرسوزي وقسطنطين زريق وآخرين), فتأسست الفكرة القومية على فكرة مستوردة, وهكذا تأسس التيار الشيوعي أيضا, ومن خلال التطفل على فكرة ونظرية وضعها كارل ماركس, و ذهب الإسلاميون إلى استدعاء مشروعهم من ماضيهم ووجدوه عند ابن تيمية, وعلى الرغم من ادعائهم بأن مشروعهم أصيل, بيد أنهم تغافلوا حقيقة أنه مشروع نتاج زمن غير زمنهم, وتغافلوا حقيقة أن مشكلات اليوم, لا يمكن أن تتماثل مع مشكلات الأسلاف, حتى لو كان هناك تماثل في الواقع الثقافي فالزمن المختلف يفرض مشكلات مختلفة .
وكان الأجدى بالعرب أن يستفيدوا من تطوير المناهج لا استيراد المشاريع, ولا يمكن أن تتطور مناهج البحث إلا عبر النظر للمشكلات وإعمال العقل فيها.
لقد أحدثت الثورات الاجتماعية في أوروبا والغرب ثورة عقلية أيضا, تغيرت على أثرها طرائق التفكير, فقدمت رؤية جديدة للإنسان وفهما مختلفا لسلوك الإنسان وعلاقته بالمجتمع, فلم تعد فكرة أن الإنسان شرير بطبعه وطباعه تلقى قبولا, إذ أضحى الإنسان مركب سلوك يكتسبه من بيئته وعبر تنشئته, كما أنه يمارس التأثير على واقعه, أو بمعنى آخر تغير النظر إلى الإنسان فلم يعد ريشة في مهب الريح “منفعلا” وحسب, بل صار “فاعلا” أيضا, هذه الرؤية الجديدة للإنسان منحت العلوم الإنسانية والاجتماعية طريقة جديدة واستطاعت أن تحدد أسباب الاختلالات الاجتماعية, كما استطاعت أن تجد تفسيرا للعديد من الظواهر, فشرور الناس في المجتمع مثلا, لم تعد تفسر على أساس أسطوري أو ديني ( كان الاعتقاد السائد أن الإنسان الشرير تسكنه أرواح شريرة), وبدأ النظر إلى الشر من خلال علاقته بالواقع الا

قد يعجبك ايضا