قراءة في الثوابت والمرتكزات وإمكانية التحقق
كتب/جميل مفرح

> كثير هو الحديث والدراسة والكتابة ومثل ذلك وربما أكثر هي الأمنيات ومشاريع الأمنيات التي تدور وتدار حول الدولة المدنية وبنائها ولعل ذلك الهاجس لم يكد يفارق مرحلة من مراحل الحياة أو عصرا من عصور الزمن وخصوصا منها الحديث والأحدث والقريب والأقرب من تبدلات ومتغيرات الحياة السياسية والاجتماعية وبالأخص في منطقتنا العربية التي لا تكاد تغيب عن مشاريع وخطط وبرامج قياداتها المختلفة فكرة أو وعود تجسيد وتطوير وتفعيل مدنية الدولة وحداثتها بما يتواءم مع تلبية مطالب ولوازم الحياة الحديثة..
ذلك الهاجس – هاجس الدولة المدنية الحديثة ربما في اعتقادي وصل إلى ذروة الديمومة والإلحاح في منطقتنا خلال الفترة الزمنية الأخيرة أو تحديدا خلال الثلاثة العقود الأخيرة من الزمن ليراوح في قيمته وماهيته بين الحلم المتخيل والأمنية المستطاعة ثم الهدف الذي لا يتجاوز مرأى التحقيق والممكن المتفاوت الإدراك والاستطاعة.
> ونظرا لذلك الإلحاح الشاغل فقد لقي ولاقى هذا الهاجس أو الموضوع المتمثل في تجسيد الدولة المدنية الكثير من الاهتمام والدراسة والتناول.. وكل يداعبه ويناغيه حسب الممكن من الرؤية والتقييم وقياسا على الواقع المتوفر أو الأرضية أو البيئة الحاضنة غير أنه حقق التفاوت والتغير والاختلاف في التقييم من باحث أو قارئ لآخر ومن طبيعة أو بيئة لأخرى نظرا لتعدد وجهات النظر تجاهه بتعدد طرق التناول والتعامل معه وباختلاف أشكال وطرق وكيفيات الأنظمة السياسية القائمة في هذا الحيز الجغرافي الإقليمي على الرغم من توحد الهوية واللغة والثقافة وتقارب أنماط وأشكال تلك الأنظمة السياسية القائمة.
والمتتبع آخر الأحداث التغييرية في المنطقة سيجد أن تحقيق وتجسد الدولة المدنية وتحقيقها في البناء الجديد والتغيير الحاصل منه والوشيك عنصر ملهم أساسي فيما يطرح ويبنى عليه وأنه ما يزال لم يبارح أو يتعدى تقديره أو مكانته السالفة من حيث كونه حلما ومشروعا وفي أولويات البرامج.. وسنجد أننا على سبيل المثال في اليمن أقرب إلى الاستشهاد فقد غدا وما يزال هاجس تحقق وتفعيل الدولة المدنية في أولويات ما يطرح ويناقش ويحتل الرأس من هرم الوعود والأمنيات والبرامج الحاصلة والمتخيلة.
والأستاذ محمد بن محمد بن عبدالله العرشي لم يفته ذلك ولم يجعل هذا الهاجس بمنأى عن اهتمامه خصوصا مع ما تمليه المرحلة الزمنية وأحداثها من واقع سياسي يعبر منحنى تغيير هام وتطرح الدولة المدنية في نفسها بقوة وجلاء ضمن مفرداته ولوازمه وحاجياته الأساسية .. ليقدم لنا الأستاذ العرشي في هذا التوقيت المناسب رؤية هامة حول هاجس الدولة المدنية من خلال كتابة الصادر مؤخرا بعنوان “بناء الدولة المدنية في اليمن”.
> ذلك على الرغم من أن فكرة إصدار هذا الكتاب تعود إلى نهاية ثمانينيات القرن الماضي كما يشير المؤلف في مقدمته للكتاب وذلك خلال اشتراكه- أي المؤلف- في لجان الوحدة حينها .. في ذلك الحين شخص أمام المؤلف سؤال إمكانية التوفيق بين النظام الاشتراكي البحت الذي كان موجودا في جنوب الوطن وبين النظام الرأسمالي أو بالأصح النظام المختلط الذي لا هو رأسمالي ولا هو إسلامي والذي كان قائما في شمال الوطن.. ويشير المؤلف إلى أنه بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة في مايو 1990م جد
