همي همك والثأر

ناصر البربري

تتنوع الدراما بين جادة مأساوية مبكية (تراجيديا) وملهاة مضحكة هادفة (كوميديا) وقد تكون ملهاة مضحكة بدون هدف وهذا ما يعرف بـ(الفارس) أوبين عمل روائي وقصة… ولها في معالجة الموضوعات والقضايا طرق عدة تعود كلها إلى الأنواع الآنفة الذكر منفردة أو مجتمعة حسب قدرة المؤلف والمخرج ونظرتهما إلى الطرف المقصود (الجمهور) ومعرفتهما به ومدى استعداده لتقبل نوع محدد من الدراما وتأثره به سلبا وايجابا وما قد يحدثه فيه من زرع للقيم الحميدة وتعزيز السلوك السوي واستهجان الممارسات والعادات السيئة في المجتمع.
ولعل الدراما اليمنية اليوم تحبو في طورها الأول محاولة الوقوف على قدمين ضعيفتين أنهكهما صمت الجهات المسؤولة وتقوقع دور هذه الجهات – في الماضي- في حمل مقص الرقيب فاقتصرت مسؤوليتها على القص والبتر ولي عنق النص لا غير متناسية دورها وواجباتها الحقيقية من دعم مادي ومعنوي لهذه الأعمال الدرامية ذات الدور الفاعل في ثقافة المجتمع ورقيه وتقدمه.
بيت القصيد هو مسلسل (همي همك 5) الذي تتبنا -مشكورة- قناة السعيدة منذ سنوات ويقوم به كوكبة من المبدعين اليمنيين بالإضافة إلى عدد من الممثلين العرب لا سيما في الجزئين الأخيرين من هذا المسلسل.
ولا ينكر ما وصل إليه هذا العمل الدرامي من الإبداع والتأثير في الجمهور إلا مجحف جاحد فقد شد الأنظار إليه فصار جمهوره الكبير من الشيخ إلى الطفل يترقبه كل عام ويحرص على متابعته كل الحرص لأنه بأحداثه وشخوصه الرمزيين وصراعاته المأخوذة من الواقع يلامس هموم وأوجاع جمهوره ويبلسم فيه جراحات تلميحا وتصريحا بالحدث الدرامي الرامز حينا وبالمباشرة أحيانا أخرى.
ورغم إعجابنا بهذا المسلسل وانجذابنا إليه كغيرنا من الجماهير المتلقين والمتأثرين بأحداثه وصراعاته وطريقته الإبداعية في الجمع بين الجاد المبكي والهزلي المضحك إلا أن لنا ملاحظات موضوعية أكثر منها فنية أو لنقل وجهة نظر حول بعض الجزئيات والمعالجات في المسلسل لا نحمل وزرها مؤلفا أو مخرجا وإنما نعيد ذلك إلى طبيعة الأعمال الكبيرة التي تتبنى قضايا عظيمة ربما – بل من المؤكد- فاقت إمكانيات المسلسل المرصودة وخانها زمن العرض القصير كونها تحتاج إلى ميزانية أكبر وإلى معالجة ووقت عرض قد يفوق في حلقاته عدد حلقات المسلسل التركي! حتى يتمكن من معالجة القضية وأحداثها وصراعاتها بشكل فني ودرامي ناجح.
وعلى كل فالملاحظات على هذا المسلسل ليست تقصي عيوب أو تتبع عثرات بقدر ما هي طمع من المتلقي أو بعض المتلقين في معالجة المسلسل لبعض الجزئيات والقضايا بشكل أوسع وفكر أعمق وتحاشي الوقوع في عرض أحداث وقضايا ذات جذور شائكة وضاربة في المجتمع كالثأر – الذي طالما سعينا لطمس ثقافته – فقد يسيء المتلقي فهم التعاطي معه في المسلسل ويعتبر ما شاهده عن الثأر وما حدث حوله عين الصواب والمطلوب من الدراما عكس ذلك.
وحتى لا يتوه القارئ هنا نقول: إن معالجة موضوع الثأر في مسلسل (همي همك 5) لم تكن ضمن هموم المؤلف نظرا لعدم تركيز الدراما حول معالجة هذا الحدث وانشغالها بمعالجة أمور أخرى هدفت لها الدراما في المسلسل واختارت معالجتها باعتبارها الأحداث الرئيسة وعزلت معالجة قضية الثأر رغم طغيانها في أحداث المسلسل وظهورها حدثا رئيسيا لا فرعيا يمكن تجاهله أو عزله لكن المؤلف عمد إلى تقنية (العزل والاختيار) فاختار قضايا وأحداث في المسلسل وعمل على معالجتها باعتبارها الحدث الرئيس كقضية الغزو الأجنبي والوحدة وحكم القبيلة… بينما اعتبر الثأر حدثا ثانويا حقه العزل واستبعد معالجته بالشكل الصحيح الأمر الذي حرم المشاهد من الوعي المغاير لثقافة الثأر بل حببه إليه ولم ينفره منه حتى صار المشاهد يرى أن الثأر ضرورة وعمل بطولي ولو لم يقم به البطل لكان ذلك – في نظر المشاهد- نقصا في بطولته. فالثأر في المسلسل وصية من الجيل السابق للجيل اللاحق وهذا أمر غير مقصود من المؤلف والمخرج وإنما التعدد والتشعب في الأحداث جعل معالجتها جميعا وفي آن واحد أمرا بالغ الصعوبة.
وهناك ملاحظات أخرى حول اللهجة المستعملة وجريان الأمثلة الشعبية على لسان الغازي وعدم الإشارة إلى أهداف الغازي من قيام الحامية بالإضافة إلى طريقة التخلص من الغزاة. فقتل الغازي لا يعني التخلص منه لأنه سيعاود الكرة من جديد فقد كنا نأمل أن يقارع الغازي بالحجة والمنطق لتعريته أمام المشاهد وتجريده من كل الحجج ومبررات التواجد على الأرض أو التدخل في الشئون المحلية حتى نجده في آخر المطاف يعترف بحقنا في الأرض والسيادة معلنا الهزيمة أمام مقاومتنا وتوحدنا وإصرارنا على رفض الوصاية والتدخل الأجنبي فيحمل عصاه راحلا إلى غير رجعة.
وحقيقة الأمر أن هذه الملاحظات تعد وجهة نظر من زاوية واحدة وهي لا تقلل من قيمة العمل الدرامي فقد استمتعنا به كثير

قد يعجبك ايضا