الموقف من “استعمار العقل”

صدام الشيباني


يعيش العالم الثالث – منذ القرن التاسع عشر – الى هذه اللحظة تحت وطأة الاحتلال (الكولونيالية ) والاحتلال الجديد ( النيو- كولونيالية ) , مع اختلاف أساليب الاحتلال من بلد الى آخر . والعالم الثالث الدول الأسيوية الضعيفة في صنع القرار السياسي , والقارة الأفريقية , فهذه الدول مازالت الى هذه اللحظات تعاني الهيمنة الغربية , بالسطو على الأرض , وذلك بإرسال الجنود واحتلال الأراضي , أو بتفكيك المناخ السياسي , أو باختيار النخب السياسية والحكام كما يحدث في العالم العربي , دون رضا الشعوب عن ذلك . وقد خرج من هذا المناخ المهيمن مثقفون , وأكاديميون واجهوا الرغبات الاستعمارية من داخل أوطانهم , وفضحوا المشهد الثقافي الذي يتكون في بلدانهم بحماية داخلية من قبل النخب المثقفة والسياسية . فهو مشروع المقاومة لمواجهة السياسات الغربية التي أكلت الأخضر واليابس في الثقافات الأخرى , ودمرت كل الجهود التاريخية التي قدمت الكثير من المعرفة لأجيالها . لقد لفت انتباهي في القراءة أحد الكتاب الأفارقة وهو”كيني الأصل” , بعد أن قرأت كتابه ( تصفية استعمار العقل ) وهو الأديب الناقد / “نغوجي واثيونغو ” ترجمةالشاعر العراقي سعدي يوسف . يبدو أن سعدي يوسف وقع تحت تأثير الكتاب , ولذا لزم منه ترجمته الى العربية ليعرف المثقف العربي حجم الكارثة التي يعيش فيها , وبعضهم ينظر لها , دون وعي منه بما يحدث في الأوطان العربية والأفريقية . لقد اهتم نغوجي واثيونغو في كتابه بالأدب الأفريقي , وما ينتج عن هذا الأدب من لغة , واستعمالات لغوية تعمل على تجديد الفكر وتطوير أساليب الكتابة , فقد كتب واثيونغو أعمالا أدبية باللغة الانجليزية , ورأى ان ما يفعله خيانة لنفسه , ولوطنه , وللغته التي يتحدث بها قومه , ولأفريقيا ( الأم) التي تعاني كل يوم من نزيف حاد بفعل أبنائها الذين لم يراعوا صلة القرابة والثقافة واللغة فيما بينهم . إن نغوجي واثيونغو قدم مادة هذا الكتاب على شكل محاضرات كانت تلقى في أزمنة متفرقة في الخمسين السنة الماضية , وجمعها وكان هذا الكتاب آخر كتاب لكاتب يكتب باللغة الانجليزية , ثم عاد الى لغته الأولى / الأصل الكيكويو , وهي من اللغات الكينية التي يتحدث بها بعض القبائل في كينيا . ما شد انتباهي أن واثيونغو حلل المستوى اللغوي من الحالة الثقافة التي تعيشها كينيا تحت وطأة الاستعمار , واضعا عيناه على الحالة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها الأمم الأفريقية , منذ القرن التاسع عشر مرورا بالقرن العشرين الى هذه اللحظة , فقد عمل الغرب ( أوروبا وأميركا ) على نهب المواطن الأفريقي رهينة , واستعبدوه , ثم أقنعوه بأنهم سيعطونه الحرية , وقاموا خلال ذلك بنهب ثرواته , من المعادن والنفط , وسلب قدرته على التفكير , زاعمين انه لا يستطيع ان يدير نفسه , ولذا فهو بحاجة الى وجودهم معه . إن كتاب ” تصفية استعمار العقل ” صفعة قوية لكل النخب المثقفة داخل أقطار العالم الثالث , لأنه يركز على العوامل الداخلية التي تتغير كل يوم , ولم يحرك أحد ساكنا , من المثقفين أو من السياسيين الغيورين على اوطانهم , ونحن العرب نعيش هذه المرحلة , مرحلة العمى , عمى النخبة المثقفة , وعمى السياسيين , والذين لا هم لهم سوى التنافس على الاسترزاق من المجتمع الدولي الذي ينهب كل ما في شعوب الأرض من قيم يوميا . لقد وجدنا مثقفين وأكاديميين في أوطاننا يدافعون عن الهيمنة الغربية وسرقة الأوطان , ويقفون الى جانب المحتل بالدعم والتأييد والعمالة والارتزاق , دافعين بأوطانهم الى التمزق والتشرذم . إن الاحتلال الثقافي اليوم يعمل ليل نهار من اجل طمس الهوية العربية , جعلنا امة تابعة , وذلك من خلال سرقة التاريخ العربي , وتدمير اللغة العربية , ومحو الجغرافيا بنخب سياسية جديدة تدفن التاريخ القديم , وترسخ ممالكها على هذا التحول المقصود . إن العرب اليوم يعيشون بعقل مدمر , ليس مستعمرا الى النهاية , وليس متمسكا بفكره وأصالته , وهذا هو الذي جعل المنطقة العربية تدخل في الظلمات مرة أخرى . ولعل المثقف هو من يقودنا الى هذه الزاوية , وهذا ما انتقده مؤلف الكتاب على مجتمعه , ففي كينيا عملت النخبة السياسية على تدمير اللهجات الكينية , وذلك بتدريس اللغات الأوروبية والإنجليزية في المدارس والجامعات , بدلا عن اللغات المحلية , وقد نشأ جيل جديد من الطلاب ومن المثقفين , ومن الكتاب منقطع تماما عن جذوره , ناسيا آلام بلده والناس الذين يعيشون من حولهم . وقد بدا الجيل الجديد يكتب أدبا أفريقيا بلغة أجنبية مثل شينوا أتشبي ووول سونيكا وغيرهما , وأن هذا الأدب موجها للخارج وليس للداخل , ولذا تظل المشاكل الاجتماعية والسياسية عالقة ولم يتطرق اليها الكتاب . في حين ان المواطن الأفريقي فلاح او عامل , واغلب الفلاحين يعملون عند من يملك الأرض , وقد تكون هذه الأرض بيد البريطانيين . والعمال يعملون في الفنادق , والطرقات , والمطاعم , وغيرها

قد يعجبك ايضا