لوحده فقط..
محمد المساح
كانت طويلة وهو قصير.. وهو يدقق النظر نحوها يود أن يعرف.. هل يكون طولها الغريب يتساوى مع قصره مرتين.. أو أكثر بقليل أو ينقص مرتين بقليل¿ حيره وأربكه السؤال.. دقق أكثر بالنظر.. لم يسعفه الحدس.. ولا القياس.. كانت في وقفتها غافلة عنه تغوص في أفكارها وأحوالها الخاصة..
وهو في وقفته أمامها.. أو محاذاتها لا نستطيع أن نؤكد أين كان يقف في الحقيقة.. بعد أن خانه التقدير وعجز التخمين والحدس.. في القياس. انتقل ذهنه إلى مجرى آخر من التفكير.. كان يود.. لو توصل في أقل القليل لقراءة أفكارها في تلك اللحظة من الزمن.. التي تذوب وتنصهر دقائق وثواني تحسب من زمنه المجاني.. حاول أن يستعين بخبرته المكتسبة وهو يتعايش مع البشر والحياة خذله الذهن الملعون.. ورفع أصابع يده يحك شعر رأسه.. وعيناه الغارقتين في توهان عجيب تغيب أمامهما الأشياء والكائنات تسبح في فضاء غائم.. وفقدت كل قياساتها وأحجامها من الطول والقصر.. والعرض والارتفاع لا يدري كيف سحبه الذهن الملعون إلى تذكر قطيع الرباح وهي تقضم الحصم وتقطم السبول.. وفي التوهان العجيب ذاك.. برزت أمامه صورة القرود.. وهي تصرخ وتركض قافزة نحو البعيد.. وأنبعثت من أعماق ذاكرته.. صورة لقردة عجوز.. تحمل فوق ظهرها ربحة صغيرة كانت القردة لا تصرخ ولا تركض.. تمشي آخر القطيع بتمهل وبطء شديد.. وتنظر إليه بإشفاق.. فجرت الصورة التي وردت في ذهنه.. ضحكة رنت على الرصيف.. ونظر مبهوتا حوله.. لم تكن هناك لا طويلة ولا قصيرة.. هو لوحده فقط.