للموت أشكال وصور !!!
عبدالرحمن بجاش
لن أنسى ذلك الشاب الجميل عبد الحبيب …الذي كان ينحت الصخر بحثا عن الرزق , وكلما التقيه بالدباب أحرص على أن أسلم عليه وأظل أنظر إلى وجهه فيملؤني عزيمة وإصرارا على الاستمرار برغم أي ظرف قاهر !! , كان شابا جميل الروح , مستبشرا بالحياة برغم كل المنغصات وعبدالحبيب سكن مع أصحابه في دكانه يسمونها عادة السائقين بـ( الجيرش ) والتسمية جاءت من عدن من أيام أن كانت عدن تربي الناس ,أتحدث عن بريطانيا الذي يجبرنا حاضرنا على الإشادة بها مستعمره – بضم الميم وفتح التاء وفتح الميم – , ومصيبة هي أن نظل كلما تقدمنا يوما عدنا إلى الماضي نحن عليه ونتمناه ( أيام زمان كانت ) , ولا يوجد أي شعب في الكون يتغنى بماضيه مهما كان سيئا إلا حين يكون حاضره أظلم من سواد الليل , يحدث هذا أيضا في العالم العربي … عبد الحبيب سكن وأصحاب الدبابات في الجيرش , وأيام قسوة البرد شتاء , يحلى النوم فجرا , وهم يريدون أن يطلبوا الله , فاتفقوا على أن يتولى تسخين سياراتهم كل صباح أحدهم , كان ذلك اليوم مأساويا فقد ظلت ( المكائن ) تدور وأصحابنا يستنشقون , حتى اكتشفت المأساة بعد ثلاثة أيام فقد وجدوا جميعا وقد ماتوا !! , كم بكيت النهماني يومها , بكيت وجهه السموح ولن أنساه أبدا وهو يردد ( يا عم عبده خليها على الله ) , هي ضريبة التخلف الذي ينتج الفقر , والفقر يجبرك أن تعيش في جيرش تستنشق عادم سيارتك لتغادر بهدوء رحم الله النهماني وأصحابه . والآن تتعدد أشكال مغادرة الدنيا بسبب البرد والفقر البرد والفقر الذي يجبر أسرا بكاملها على أن توقد نار الفحم ويتكورون مع أبنائهم في غرف ضيقة فيغادرون بهدوء رحمة الله عليهم , وفي الأخير لا أحد يحقق أو يسأل أو يعير أمر التوعية إلا حين يموت الناس لبضعة ساعات ثم نعود إلى أقرب مقيل نلت ونعجن , والمرتاح لا يدري حاجة المحتاج !!!, الآن وبفضل الكهرباء فللموت أشكال وصور أخرى وخذ أقرب مثال : خياطين يبحثون عن أرزاقهم وحين تغادر الكهرباء يخسرون , ولأن عليهم أن ينجزوا فيشترون مولدات لا تدري بأي مواصفات تأتي فالسوق يستوعب كل مخلفات الدنيا , وحيا الله الصين التي تقذف إلى بيوتنا بكل السيئات بعد أن كانت الصين يوما تقاتل مع صنعاء !!! انظر أين كنا وأين أصبحنا ¿¿!! , الآن هؤلاء المساكين يشغلون متورات الكهرباء في بدرومات بدون تهوية فيظلون مخزنين شغالين مستنشقين عوادمها وعلى أي طبيب أن يقول لنا ماهي النتيجة ¿¿ ما أعرفه وحدثني عنه أخي أن هؤلاء تصاب في كل منهم رئته , وبعضهم يغادر استنشاقا بسرعة , وبعضهم المساكين تراه يبحث عن الرزق فإذا به يصرف كل شيء على أدوية مغشوشة ….. ويا أيام الطبيبة الألمانية ايفا هوك من سكنت تعز وعالجت مرضاها وأمراضها عودي إلينا فلا الحاضر أفضل ولا المستقبل آت !! ويا أيها البسطاء من تبحثون عن لقمة العيش معذرة …..