على (العنتر ناش) إلى صنعاء
د. ياسين عبدالعليم القباطي
د. ياسين عبدالعليم القباطي –
مازالت العصافير تغرد فرحة بقدوم نور يوم جديد حين تحركت شاحنة نقل البضائع العنتر ناش (إنترناشونال) من موقف الشاحنات خارج سور صعدة متجهة إلى صنعاء بضائعها اليوم مسافرون مثلنا يفترشون سطحها الخلفي على طريق ترابية وعرة شقت بأيادي المساكين من أبناء القبائل الرعية والمقصود رعية للشيخ وليس لخالقهم وليس عليهم الا طاعة ما يأمر به الشيخ الذي ورث سلطته من أبيه.
رغم بطء الناقلة إلا أن الحفر في الطريق لا ترحم أفخاذنا ولا أعجازنا التي افترشت قاع السيارة الخشبي الخشن نرتفع في الهواء ونقع على مؤخراتنا فنشعر بالألم الذي لا نكلف به رغم الوجع بل بما هو أشد منه الغبار الذي يتطاير من الطريق بفعل (العنتر ناش) يملأ أنوفنا ويعمي أبصارنا.
نظرت خلفي إلى صعدة كي أودع تلك المدينة التاريخية الرائعة بسورها و(قشلاتها) قلاعها التاريخية تلك أصولنا نحتها أجدادنا في الصخر لتبقى وثيقة لا يمحيها الزمن نفتخر بأننا من وطن قديم تناسلنا فيه منذ خلق الله الأرض أصولنا ضاربة في التاريخ لم تنقل من أي بلد آخر كبذور تذروها الرياح مثل نباتات الصحراء ننتمي لليمن السعيد الذي كان مصدر حضارة وإشعاع ثقافي للعالم أهلكته صراعات القبلية بعد إندثار دولة سبأ وحمير بفعل الغزو الحبشي واستمرت آلاف القرون تتناحر القبائل فيه على السلطة والكسب الرخيص قتال يغذيه المال الحرام خراب صمم الجيران على استمراره التاريخي .
غابت صعدة وأسوارها عن ناظري ولم أعد أرى خلف الغبار منها غير برج مرتفع في السماء هو برج القلعة التاريخية الشامخة بجمالها وسحرها وغموضها(سنارة صعدة) ترتفع عاليا لتحرس مدينتها التي صحت لتوها من نوم غير هنيء عكر ليله أصوات الرصاص والقنابل والمدافع حرب تديرها جارتنا وشقيقتنا الكبرى بجنود يمنيين لنصرة من تبقى من أسرة حميد الدين وقد صاروا منهكين شردهم وأرهقهم القتال الذي خاضوه لاستعادة حكم كهنوتي ديني لا يكلف ولا يأبه بالبيعة الشرعية ملك اليمن وأهلها وثرواتها باسم الدين هو غايتهم مطلب وهدف لا مراعاة فيه لشروط البيعة كما جاءت في الكتاب والسنة يخالفون الشرع كما خالفه حليفهم الجار الذي يغرق اليمن بوقود من ذهب النفط ليزيد الحرب اشتعالا لتبقى اليمن يحكمها التخلف والنزاع القبلي وغياب القانون وفقدان هيبة الدولة وسيطرة وارثي الزعامة وجهاء جشعين لاهثين بعد الجاه والمال وصراع المذاهب بين اليزديين واليعفريين والأيوبيين والقرامطة والهادويين كلهم زعماء أتوا من خارج اليمن لعبوا بها تاريخا ودينا وأرضا وإنسانا.
ويستمر الصراع لتبقى اليمن حديقة خلفية لمن ملك المال والجاه منها يأتيهم العامل الرخيص واللحوم والفاكهة والخضار الطبيعية التي لم تلوثها الأسمدة والكيماويات حريصون على ملك اغتصبوه قد يدمره امتداد الثورات ولتبقى ثورة اليمن محصورة في نزاعاتها التي لا تنتهي فلا تتجاوز حدودها التي يجب أن تضيق عليها مع مر العقود.
لك الله يا أحمد عزيز كم طرقا قطعت ماشيا على قدمين كليلتين تقطر الدماء من جراحهما تحركهما عزيمتك القوية وإرادة الحياة وطلب الشفاء من مرض مجهول.. قطعت مئات الكيلومترات سيرا على قدميك العليلتين من قرية أبوحسن في آنس وحتى نجران حيث صدمت امالك بجهل وعجرفة أطباء الصليب الأحمر الذين لا يمارضون إلا جرحى الحرب من الملكيين.. ومن نجران سافرت إلى الطائف حيث مستشفى الملك فيصل بضخامته لم يستطع الأطباء الكثر فيه معرفة مرضك فعدت إلى نجران ومنها ماشيا على قدميك إلى صعدة .
عدت الى وطن لم تنهب بقية أرضه بعد غير أنه مضطرب غير مستقر يتقاتل فيه مشايخ للملكية مع مشايخ للجمهورية ووقودهم الأبرياء والثائرون من أبناء الشعب وسيستمر القتال بينهم حتى يقضوا على قبائلنا الكريمة التي تتبعهم كما تتبع الغنم الرعاة ..
قبائل لم تسمع عن مدرسة ولا مستشفى ولا حتى قسم شرطة أو محكمة فقط شيخ القبيلة هو الحاكم والقاضي والعالم بكل شيء.
لن أسير طويلا على أقدامي الكليلة مرة أخرى حرب مصر والسعودية المستمرة في اليمن من خمس سنوات أدخلت الكثير من وسائل النقل الى اليمن وشقت آليات الجيش المصري كثيرا من الطرق وها أنا الآن على شاحنة عنتر ناش أقطع شبه صحراء العميشة الواسعة الواقعة بين حرف سفيان وصعدة أكثر ما أزعجني فيها خوفنا من قطاع الطرق وهم بدو لا ينتمون لصعدة ينتشرون في هذه المنطقة ينهبون المسافرين لم نرهم ولكن قامت الشجر الشوكية الكثيفة بدورهم فنهبت أغطية رؤوسنا وكوافينا ونحن نتنطط تحتها بفعل المطبات.
الشاحنة تسير ببطء في الطريق ال